كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة: المختار أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقر على خطأ فى اجتهاده وقيل بنفى الخطأ لنا لو امتع لكان لمانع والأصل عدمه وأيضًا: {لِمَ أَذِنْتَ} [التوبة: ٤٣]، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ. . .} [الأنفال: ٦٧]، حتى قال: "لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه غير عمر" لأنه أشار بقتلهم، وأيضًا: "إنكم تختصمون إلىَّ ولعل أحدكم ألحن بحجته، فمن قضيت له بشئ من مال أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار". وقال: "أنا أحكم بالظاهر"، وأجيب بأن الكلام فى الأحكام لا فى فصل الخصومات، ورد بأنه مستلزم للحكم الشرعى المحتمل، قالوا: لو جاز لجاز أمرنا بالخطأ وأجيب بثبوته للعوام، قالوا: الإجماع معصوم فالرسول أولى، قلنا اختصاصه بالرتبة واتباع الإجماع له يدفع الأولوية فيتبع الدليل، قالوا: الشك فى حكمه مخل بمقصود البعثة وأجيب بأن الاحتمال فى الاجتهاد لا يخل بخلاف الرسالة والوحى).
أقول: بناء على أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- يجوز له الاجتهاد فهل يجوز عليه الخطأ فيه؟ فيه خلاف، وعلي تقدير جوازه فإذا وقع هل يقرر عليه أو ينبه على الخطأ؟ المختار أنه لا يقرر لنا من المعقول أنه لو امتنع عليه الخطأ لكان لمانع لأنه ممكن لذاته والأصل عدم المانع ولنا أيضًا من الكتاب قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: ٤٣]، فدل أن أذنهم كان خطأ، وقوله تعالى فى المفاداة يوم بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] الآية، حتى قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه غير عمر" (*)، وذلك لأنه أشار بقتلهم وغيره أشار بالفداء، فدل أن المفاداة سنه خطأ ولنا أيضًا من السنة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إلىَّ ولعل أحدكم ألحن بحجته، فمن قضيت له بشئ من مال أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار" (**)، وقوله: "أنا أحكم بالظاهر" (***)، فدل أنه قد يقضى بما لا يكون حقًا، وأنه قد يخفى عليه الباطن وقد أجيب عن هذا بأنه إنما يدل على خطئه فى فصل الخصومات وهو غير محل النزاع فإن الكلام فى الأحكام لا فى فصل الخصومات، وجوابه أن فصل
---------------
(*) لم أجده.
(**) أخرجه البخارى (٢/ ٩٥٢) (ح ٢٥٣٤).
(***) قال الهروى: جزم العراقى وغيره بأنه لا أصل له. انظر: المصنوع (١/ ٥٨)، كشف الخفاء (١/ ٢٢١).

الصفحة 624