كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة: لا تقليد فى العقليات كوجود البارى تعالى، وقال العنبرى بجوازه، وقيل النظر فيه حرام لنا الإجماع على وجوب المعرفة والتقليد لا يحصل لجواز الكذب ولأنه كان يصلح بحدوث العالم وقدمه ولأنه لو حصل لكان نظريًا ولا دليل، قالوا: لو كان واجبًا لكانت الصحابة أولى ولو كان لنقل كالفروع، وأجيب بأنه كذلك وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل باللَّه وهو باطل، وإنما لم ينقل لوضوحه وعدم المحوج إلى الإكثار قالوا: لو كان لألزم الصحابة العوام لذلك، قلنا: نعم وليس المراد تحرير الأدلة، والجواب عن الشبه والدليل يحصل بأيسر نظر قالوا: وجوب النظر دور عقلى وقد تقدم، قالوا: مظنة الوقوع فى الشبه والضلالة بخلاف التقليد قلنا فيحرم على المقلد أو يتسلسل).
أقول: قد اختلف فى جواز التقليد فى العقليات من مسائل الأصول كوجود البارى وما يجوز له ويجب ويمتنع من الصفات قال عبد اللَّه العنبرى بجوازه، وقال طائفة بوجوبه وإن النظر والبحث فيه حرام، لنا أن الأمة أجمعوا على وجوب معرفة اللَّه تعالى وأنها لا تحصل بالتقليد لثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجوز الكذب على المخبر فلا يحصل بقوله العلم.
ثانيها: أنه لو أفاد العلم لأفاده بنحو حدوث العالم من المسائل المختلف فيها فإذا قلد واحد فى الحدوث والآخر فى القدم كانا عالمين بهما فيلزم حقيتها وأنه محال.
ثالثها: أن التقليد لو حصل العلم فالعلم بأنه صادق فيما أخبر به إما أن يكون ضروريًا أو نظريًا لا سبيل إلى الأول بالضرورة وإذا كان نظريًا فلا بد له من دليل والمفروض أنه لا دليل إذ لو علم صدقه بدليل لم يبق تقليد.
القائلون بجواز التقليد فيها قالوا: أولًا: لو كان النظر واجبًا لكانت الصحابة أولى به ولو كان منهم النظر فى العقليات والأصول لنقل كما نقل نظرهم فى الاجتهاديات والفروع، فلما لم ينقل علم أنه لم يقع.
الجواب: نلتزم أن الصحابة أولى به وقد نظروا وإلا لزم نسبتهم إلى أنهم كانوا جاهلين باللَّه وبصفاته وأنه باطل بالإجماع، قولكم لو كان لنقل؟ قلنا إنما لم ينقل لوضوح الأمر عندهم وعدم ما يحوج إلى إكثار النظر والبحث على ما هو موجود فى زماننا من عدم مشاهدة الوحى وصفاء الأذهان مع كثرة الشبه التى تحدث حينًا فحينًا حتى اجتمعت لنا بخلاف الاجتهاديات لأنها خفية تتعارض فيها الأمارات

الصفحة 631