كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)
قال: (مسألة: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافًا للحنابلة لنا لو امتنع لكان لغيره والأصل عدمه، وقال عليه السلام: "إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" قالوا: قال: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر اللَّه"، أو: "حتى يظهر الدجال". قلنا فأين نفى الجواز ولو سلم فدليلنا أظهر ولو سلم فيتعارضان ويسلم الأول، قالوا: فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه اتفاق المسلمين على الباطل، قلنا: إذا فرض موت العلماء لم يمكن).
أقول: المختار أنه يجوز خلو الزمان عن مجتهد يرجع إليه وقد منع الحنابلة من ذلك، لنا أنه ليس ممتنعًا لذاته إذ لا يلزم من فرض وقوعه لذاته محال فلو كان ممتنعًا لكان ممتنعًا لغيره والأصل عدم الغير، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" (*)، وهو ظاهر فى الجواز والوقوع.
قالوا: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر اللَّه أو حتى يظهر الدجال" (**). وهو ظاهر فى عدم الخلو إلى يوم القيامة أو أشراطها.
الجواب: هذا يدل على عدم الخلو، وأما عدم الجواز فلا, ولو سلم فدليلنا أظهر لأن فيه نفى العالم صريحًا وهو يستلزم نفى المجتهد، وأما الظهور على الحق فإن دل على اعتقاد الحق فلا يدل على العلم وعلى الاجتهاد، ولو سلم فيتعارض الدليلان من السنة ويبقى الأول وهو أن الأصل عدم المانع سالمًا عن المعارض.
قالوا: الاجتهاد فرض كفاية فيكون انتفاؤه بخلو الزمان عن المجتهد مستلزمًا لاتفاق المسلمين على الباطل وأنه محال لما عرفت فى الإجماع.
الجواب: أن الاجتهاد فرض كفاية لا دائمًا بل إذا كان ممكنًا مقدورًا وإذا فرض الخلو بموت العلماء لم يكن ممكنًا مقدورًا.
قوله: (لنا أنه ليس ممتنعًا لذاته) فإن قيل الكلام فى الجواز والامتناع الشرعى وما
---------------
(*) أخرجه البخاري (١/ ٥٠) (ح ١٠٠) ومسلم (٤/ ٢٠٥٨) (ح ٢٦٧٣).
(**) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٢٣) (ح ١٩٢٠).
الصفحة 639
686