كتاب سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

فهو يقوّمهم كأنما يقوم بهم القِدَاحَ، حتى إذا استوت الصفوف سأل: من يحمل لواء المشركين؟ قيل: بنو عبد الدار. قال: نحن أحق بالوفاء منهم , أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا! قال: خذ اللواء , فأخذه مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، فتقدم به بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ثم قاتل وأبلى بلاءً حسناً - رضي الله عنه - لإعلاء كلمة الله والدفاع عن دينه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - , فعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: أقبل أُبَيُّ بن خلف يوم أحد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريده، فاعترض رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترقوة أُبَيٍّ من فُرجةٍ بين سابغة الدرع (¬2) والبيضة (¬3)،
فطعنه بحربته فسقط أُبيّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فكسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه , وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك؟ إنما هو خدش! فذكر لهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل أنا أقتل أُبَيًّا» ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أُبَيُّ إلى النار، فسحقا لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬4) (¬5).
¬_________
(¬1) الواقدي: المغازي , 1/ 221.
(¬2) ودرع سابغة أي: تامة وافرة طويلة واسعة. محمد الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس , 22/ 499.
(¬3) والبيضة من السلاح, سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام. ابن منظور: لسان العرب, 7/ 125 ..
(¬4) سورة الأنفال: آية (17).
(¬5) الحاكم: المستدرك على الصحيحين ,كتاب التفسير , باب تفسير سورة الأنفال , 2/ 357 , رقم 3263 , هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , ووافقه الذهبي.

الصفحة 44