كتاب السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية

وجود ربهم وعنايته بهم، وعلى صحة رسالة نبيهم وصدق نبوته، وأن كل ذلك هو خالقه والقادر عليه وما عليهم بعد الا أن يكونوا متحققين بصفات المؤمنين الحقة كما بين لهم ذلك كله، ليروا قدرة الله وقوته وحفظه.
وذلك الأمر الثاني هو المهم والأهم للمؤمنين في كل زمان ومكان، وهو مشكلتنا اليوم وأول هذه التعليقات هنا هو:
1 - أن المؤمنين بقوة الله وقدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، لا يكبر عليه أن يتصور الشيطان، وأن يتمثل بهذه الأشكال إذ هو سبحانه في الحقيقة من أقدر الشيطان وغيره على ذلك، إذ لو لم يرد المولى سبحانه ذلك ما كان الشيطان ولا لمن في الأرض والسماء جميعاً أن يأتوا بأمر على خلاف مراد الله تعالى في العجب في تمثل الشيطان إذن؟
2 - وإن القائلين بالمنع قد أجازوا أكثر من ذلك في الملائكة من نزولهم وتثبيتهم للمؤمنين وضرب المشركين فوق الأعناق، وضربهم لكل بنان، فما الفارق مع أن الملائكة أعظم وهم نور من خلق الله؟
3 - بالنظر في النص نفسه نسأل ما الوسوسة في قول الشيطان {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} [الأنفال: 48]، وما الوسوسة في قوله: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} [الأنفال: 48]، بما أنه شخص يحادثهم، ورأى ما لا يرون ونكص على عقبيه فأين الوسوسة؟ وهو يجرى فاراً هارباً، أو حال رؤية الملائكة، وكيف تكون وسوسة وتزييناً وهم يرونه يسير معهم إلى أن تراءت الفئتان؟ قد يقال إنها رؤية منام، نعم ولكن كيف رأى الجميع هذه الرؤيا؟ دعنا من ذلك، لقد رأوها، فهل رأوا الشيطان يسير معهم، وهل رأى الملائكة في المنام؟ فترك المشركين في المنام وفر هارباً، وهل من جاء في المنام ليؤازرهم وينصرهم، ينكص على عقبيه

الصفحة 586