كتاب السنة المفترى عليها

[الصَّحَابَةُ وَحَدِيثُ غَدِيرِ خُمْ]:

إن من يقول بصحة حديث غدير خم الذي قيل أنه اشتمل على وصية النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأئمة الاثني عشر، ومن يعتقد ذلك يطعن في الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة بل ويرميهم بالخيانة والكفر وهو لا يجهل أن هؤلاء قد اتخذهم النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُسُلاً له وزراء وقوادًا، وكان القرآن يتنزل على النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يكشف المنافقين، أو بأعمال لله فيها حكم آخر، فمثلاً عن الأشخاص: حذر القرآن النبي ممن أقاموا مسجدًا من المنافقين فقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ... } [التوبة: 107]، وعن الأعمال التي ألغاها القرآن قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ... } [الأنفال: 67]. فلو كان كبار الصحابة من المنافقين أو خانوا النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نسي الخالق العليم أن ينبه إلى ذلك، ليعزلهم ويحذر منهم، ولنزل القرآن بذلك أيضًا، وبالتالي فلا حجة لمروجي هذه الأكاذيب (¬1).

بل إن الوصية التي قيل إنها نص في إمامة الاثنا عشر وعلى رأسهم الإمام عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، هذه الوصية قد جاء في بعض مصادر الشيعة ما ينقضها، فقد روى اليعقوبي: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ خِيَارُهُمْ عَلَى خِيَارِهِمْ وَشِرَارُهُمْ عَلَى شِرَارِهِمْ» (¬2). ويثبت الدكتور النشار أن كلمة الشيعة لم يرد ذكرها على الإطلاق في عصر الخلفاء الراشدين وحتى مرحلة خلافة الإمام عَلِيٍّ فلم يذكرها اليعقوبي أو المسعودي وهما مؤرخان شيعيان (¬3)، بل إن الإمام عَلِيًّا قد نقل عنه ما ينفي هذه الوصية إذ يقول: «إما أن يكون عندي عهد من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا والله ولكن لما قتل الناس عثمان نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد هلكا ولا عهد لهما وإذا الخليفة الذي أخذها بمشورة المسلمين قد قتل» (¬4).
¬__________
(¬1) " الغزو الفكري للتاريخ والسيرة ".
(¬2) " تاريخ اليعقوبي ": ج 2 ص 187.
(¬3) " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " للدكتور علي سامي النشار: ج 2 ص 15 ط. 1385 - 1965 م.
(¬4) " الإمامة والسياسة " لابن قتيبة: ص 45، 46. و" نظام الخلافة " للدكتور مصطفى حلمي: ص 117.

الصفحة 126