كتاب السنة المفترى عليها

بعذاب القبر ومنكر ونكير والحوض والشفاعة، والدجال ونزول عيسى، كل هذا وغيره أخذه عن أحاديث الآحاد.

كما أن كل ذي حس وبصيرة يدرك أن المسلم لا يؤدي العبادة إلا بعد اعتقاده بصحة الحديث النبوي الذي أمر بهذه العبادة، والمعلوم أن العبادات قد ثبتت كلها بأحاديث الآحاد، وأنها تضمنت أمورًا هي من العقائد (¬1) ومنها الحديث الوارد في " البخاري " و" مسلم " الآمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويؤدوا أركان الإسلام وقد استند إليه الخليفة الأول في قتال مانعي الزكاة وأجمع الصحابة على ذلك.

ثالثًا: أن القرآن الكريم قد تضمن اختصاص الرسول ببيان أحكام القرآن وتفصيلها. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

والرسول إنما بلغ أحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد بأخبار الآحاد فوجبت الطاعة التامة لهذه الأحكام، واعتقاد وجوبها لأن العمل بها يسبقه الاعتقاد بثبوتها إذ لا عمل بغير اعتقاد.

رابعًا: إن الأمانة والصدق في الرواية لا تكون بالعدد، ولهذا قال الدهلوي: «لَيْسَ مِيزَانُ التَّوَاتُرِ عَدَدُ الرُّوَاةِ وَلاَ حَالَهُمْ وَلَكِنَّ اليَقِينَ الذِي يَعْقُبُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ» (¬2).
¬__________
(¬1) الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه " ابن حنبل ": ص 226 بند 115 و" المناقب " لابن الجوزي: ص 169.
(¬2) " الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف " للإمام ولي الله الدهلوي: ص 50.

الصفحة 165