كتاب السنة المفترى عليها

وفي رواية " مسلم " قال عمر: «لاَ نَدْرِي [لَعَلَّهَا] حَفِظَتْ، أَوْ نَسِيَتْ» (¬1).

وفي هذا روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «[مَا لِفَاطِمَةَ] أَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ؟» يَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لاَ سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ (¬2).

من أجل ذلك قال الإمام ابن تيمية: «وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ خَبَرَ [الوَاحِدِ] قَدْ يُفِيدُ العِلْمَ إذَا احْتَفَتْ بِهِ قَرَائِنُ تُفِيدُ العِلْمَ» ثم يقول: «وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ لاَ يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ»، ويقول: «وَالْعِلْمُ هُنَا حَصَلَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ» (¬3).

ينكر الإمام ابن الأثير [الجزري] ظنية صحيح أخبار الآحاد، فيقول في كتابه " جامع الأصول ": «[وهو] أخبار الآحاد التي لم يختلف السلف فيها وفي العمل بها» (*) ليست ظنية بل تدخل في نطاق علم الطمأنينة كما تدخل الأخبار المتواترة في علم اليقين، ويحدد علم الظن بأنه: «ما رده السلف من الأخبار التي يخشون منها الإثم على العامل بها، لقربها من الكذب، كما يخشون الإثم على تارك العمل بالمشهور، لقربه من الصدق، والمحدثون لا يطلقون اسم الصحيح إلا على مالا يتطرق إليه تهمة بوجه من الوجوه» (*) ج 1 ص 91.

ويقول الإمام الشوكاني: «وَاعْلَمْ: أَنَّ الخِلاَفَ الذِي ذَكَرْنَاهُ [فِي أَوَّلِ هَذَا البَحْثِ] مِنْ إِفَادَةِ خَبَرِ الآحَادِ الظَّنَّ أَوِ العِلْمَ، مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ خَبَرُ وَاحِدٍ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ مَا يُقَوِّيهِ، [وَأَمَّا إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مَا يُقَوِّيهِ]، أَوْ كَانَ مَشْهُورًا، أَوْ مُسْتَفِيضًا، فَلاَ يَجْرِي فِيهِ الخِلاَفُ الْمَذْكُورُ وَلاَ نِزَاعَ فِي أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ إِذَا وَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَى العَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ لأَنَّ الإِجْمَاعَ عَلَيْهِ قَدْ صَيَّرَهُ مِنَ المَعْلُومِ صِدْقُهُ، [وَهَكَذَا خَبْرُ الوَاحِدِ إِذَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ فَكَانُوا بَيْنَ عَامِلٍ بِهِ وَمُتَأَوِّلٍ لَهُ].
وَمِنْ هَذَا القِسْمِ أَحَادِيثُ " صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ" فَإِنَّ الأُمَّةَ تَلَقَّتْ مَا فِيهِمَا بالقبول» (¬4) لما كان ذلك كذلك، فإن الذين يقولون أو يكتبون ما يفيد أن أحاديث الآحاد ظنية الثبوت.
¬__________
(¬1) " مصنف ابن أبي شيبة ": جـ (**)، ص 147.
(¬2) " البخاري ": 9/ 477.
(¬3) " [مجموع] الفتاوى ": جـ 18 ص 40.
(¬4) " إرشاد الفحول ": ص 49.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) النص المثبت بين « ... » من " جامع الأصول " لابن الأثير الجزري.
(**) سقط ذكر رقم المجلد في الكتاب المطبوع.
انظر " مصنف ابن أبي شيبة "، تحقيق الشيخ محمد عوامة، (10) كِتَابُ الطَّلاَقِ (140) بَابُ مَنْ قَالَ فِي المُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا: لَهَا النَّفَقَةُ، حديث رقم 18982، 10/ 80، الطبعة الأولى: 1427 هـ - 2006 م، نشر شركة دار القبلة للثقافة الإسلامية - المملكة العربية السعودية، مؤسسة علوم القرآن - سوريا.

الصفحة 173