كتاب السنة المفترى عليها

إن قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]. فقد فهم منه أخ عربي أن اليهود والنصارى في عصرنا ليسوا كفارًا، وأعلن ذلك في ندوة الحوار الإسلامي المسيحي بطرابلس (¬1)، ثم جاء عالم إسلامي وحاول إضفاء الشرعية على هذه النظرية فقال: «إِنَّ النَّصَارَى الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالقُرْآنِ قَدْ شَهِدَ لَهُمْ القُرْآنُ بِالرِّضْوَانِ وَالمَغْفِرَةَ» (¬2).

واليهود والنصارى أنفسهم لم يفهموا هذا المعنى من هذه الآية أو غيرها من القرآن بل فهموا أنه قد قطع بكفرهم في ختام هذه الآيات كما أنهم يعلمون أن من أنكر رسولاً فقد كفر ولكن المنافقين مازالوا يحرفون معاني الآيات.

وأما معنى الآية السابقة فقد نقل ابن أبي حاتم بسنده عن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ عَنْ أَهْلِ دِينٍ كُنْتُ مَعَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، قال: «يَا سَلْمَانُ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةِ (3).

فكان إيمان اليهود أن من تمسك بالتوراة وسنة موسى حتى جاء عيسى فآمن به كان ناجيًا، ومن تمسك بالإنجيل وسنة عيسى حتى جاء محمد فآمن به كان ناجيًا، ومن لم يتبع عيسى ومحمدًا كان هالكًا لأن الله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

إن نصوص القرآن والآية التي يحرف معناها هؤلاء صريحة أن استحقاق الثواب والأمن في الآخرة مرتبط بالإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح وهذا يقتضي عدم الكفر بأي رسول من الرسل، فمن آمن منهم برسالة محمد له الأجر مرتان، ومن كفر بها فهو من أصحاب النار، أما من مات قبل هذه الرسالة فهو من أهل الجنة إن كان عمله صالحًا، وهذا ما تؤكده أسباب النزول.
¬__________
(¬1) من كتاب " خطب وأحاديث القائد الدينية ": ص 100، 101.
(¬2) من مزاعم الشيخ محمد عمارة في كتابه " الإسلام والوحدة الوطنية ": ص 112.

الصفحة 256