كتاب السنة المفترى عليها

الرواية وتحقيقها، تلك الفترة التي بدأت في عصر الصحابة مرورًا بعصر البخاري المُتَوَفَّى سَنَةَ 256 هـ، وكان دوره السادس عشر في سلسلة من تخصصوا في جمع السنة وتمحيصها، وقد بلغوا الثلاثين أو يزيد (¬1).

أما ما زعمه المؤلف من أن عائشة قد رَدَّتْ حديثًا في البخاري عن سماع قتلى بدر لخطاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهذا تحريف آخر فيه لأن عائشة لم تعاصر البخاري حتى ترد حديثًا له، وإنما قد روى بسنده عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ) فَقَالَتْ: [وَهَلَ] ابْنُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ. إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ) قَالَتْ: [وَذَاكَ] مِثْلُ قَوْلِهِ (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى القَلِيبِ وَفيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ) إِنَّمَا قَالَ: (إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌ) ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} [فاطر: 22].
(" اللؤلؤ والمرجان "، الحديث 537).

فهذا ما سمعته عائشة من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا ما استدركت على ابن عمر حسبما روى " البخاي "، وهذا لا ينفي أن يسمع غيرها من النبي ما يؤكد سماع قتلى بدر خطاب النبي فقد روى مسلم في " صحيحه " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [يَا رَسُولَ اللهِ] كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ،
¬__________
(¬1) هذا مفصل في البند 14.

الصفحة 288