كتاب السنة المفترى عليها

فالاحتكام والتحكيم يكونان للقرآن والسنة معًا، ولا خلاف في هذا، فلا يحل لمسلم أن يطلب الاحتكام إلى غير القرآن والسنة ولا يحل للقضاة أو الحكام أن يحكموا بغير ما أنزل الله أو بغير سنة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن استحل هذه المخالفة فقد كفر لإنكاره حكم الله ولتحليله ما حرم الله، أما من مالت نفسه فخالف مع إيقانه وتصريحاته وإعلانه أن حكم الله ورسوله هو الأولى وهو الواجب والأحسن فذاك المخالف يكون عاصيًا.

ولقد حذر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من هذا فقال: «أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». رواه أبو داود وغيره (" التاج الجامع للأصول ": جـ 1 ص 46).

وقد زعم البعض أن الآيات القرآنية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]، لا تفيد كفر من استحل الحكم بخلاف القرآن والسنة، وهؤلاء نسوا قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148].

كما تركوا ما رواه الترمذي بسنده الصحيح عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا [عَدِيُّ اطْرَحْ] عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ»، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» (*).

إن آيات سورة المائدة قد وصفت من استحل الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وصفًا يفيد الكفر والظلم والفسق، وهذه الأوصاف الثلاث تتعلق بحقيقة واحدة هي استحلال الحكم بغير الكتاب والسنة النبوية، وبالتالي
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) الرواية التي ذكرها المؤلف هي في " المدخل إلى السنن الكبرى " للبيهقي، تحقيق الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي: ص 209، حديث 261، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت. انظر التعليق في الهامش: ص 255.

الصفحة 330