كتاب السنة المفترى عليها

لهذا روى البيضاوي في " المنهاج " أنَّ للشافعي قولين في هذا قول يمنع نسخ القرآن بالسُنَّة مطلقاً وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد وعن أكثر الظاهرية عدا ابن حزم (¬1).

والقول الآخر للشافعي هو جواز النسخ وقد استنكر بعضهم ذلك عليه، ولكن الخلاف ليس في الحكم العملي، الوارد في الحديث النبوي «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، بل الخلاف بين الفقهاء والأصوليين هو في وصف هذا الحديث هل هو مخصص لحكم القرآن {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] أم هو ناسخ لهذه الآية والنتيجة العملية واحدة.

فالأحناف ومن معهم يرون أنَّ الحديث ناسخ للآية لأنه دليل منفصل عنها، وهو حديث مشهور ومتواتر في المعنى. فيصلح للنسخ عندهم. وغيرهم يرى أنَّ الحديث مُخصِّصٌ للآية.

والخلاف كما هو ظاهر لا أثر له على الحكم كما أنه خلاف في الاصطلاح فالنسخ والتخصص متشابهان «لأَنَّ النُّسْخَ تَخْصِيصٌ فِي الأَزْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ تَخْصِيصُ الأَعْيَانِ، وَالمَعْنَى الذِي مِنْ أَجْلِهِ صَارَ النُّسْخُ يُصَارُ إِلَى التَّخْصِيصِ أَلاَ وَهُوَ أَوَْلَوِيَّتُهُ عَلَى إِلْغَاءِ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَالإِتْيَانِ بُحْكُمٍْ جَدِيدٍ» (¬2).

والجدير بالذكر أنَّ النوع الأول والثاني من السُنَّة هما موضوع اتفاق الفقهاء، أما النوع الثالث فهو محل خلاف نظري.

فالسُنَّة التي أتت بحكم جديد، منهم من قال إنها لا تستقل بإثبات هذا الحكم وإنما تستند إلى نص عام في القرآن، تفرَّعت عنه، أو استقت منه
¬__________
(¬1) " الإحكام ":جـ 4 ص 477، و" المُحلَّى ":جـ 1 ص 19 نقلاً عن " مناهج الاجتهاد ": ص 226.
(¬2) " المحصول " للرازي: ص 561 نقلاً عن " مذكرات " الدكتور بدران أبو العينين بدران.

الصفحة 43