كتاب السنة المفترى عليها

والقضايا، وهذا التدوين في عصر الصحابة أي قبل ظهور الشيعة فأول من دوَّن منهم الكُليني المتوفى سنة 329 هـ بكتابه " الكافي "، ثم دوَّن ابن بابويه المتوفى سن 381 هـ كتاب " من لا يحضره الفقيه "، ثم دوَّن الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 كتاب " تهذيب الأحكام " وبعد ذلك كتاب " جامع الأخبار " للشيخ عبد اللطيف الهمذاني المتوفى سنة 1050 هـ.

وأما المذهب الزيدي من كتبه " أحاديث الشفاء " للضمدي (*) وأحاديث " البحر الزخار " لابن بهران و " المجموع الفقهي " ويضم ما رواه الإمام زيد. والجعفرية يخلطون الحديث بالفقه أي أقوال النبي بأقوال أئمتهم بسبب العصمة ومن ثم تحتاج إلى تمحيص طويل ودقيق للسبب المبيَّن في الفصل الثالث والجدير بالذكر أنَّ " صحيفة الإمام علي " التي أشار إليها كتاب " الكافي " تتضمَّن أموراً حصرها الإمام علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث الذي رواه " البخاري " عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ كِتَابَ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ». قَالَ قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» (¬1) فهذه الصحيفة قد خلت من ذكر حديث الغدير الذي بنى عليه الخلاف بين السُنَّة والشيعة وهي لا تُعَدُّ من مدونات الشيعة لأنَّ مذهبهم ظهر بعد قتل الإمام علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

أما التدوين الرسمي للسُنَّة فكان في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز ووالده وبأمر منهما إلى جميع البلدان ففي عصرهما جمع ما عند التابعين وهم الذين نقلوا عن الصحابة مباشرة (¬2)، وإنْ كان هذا التدوين الرسمي قد حفظ السُنَّة، فإنَّ عصر النبي لم تمتنع فيه الكتابة حيث سار النهي الأول إلى الجواز كما قال الخطابي في " معالم السُنن "،

وهذا يؤكد قول عبد الله بن عمرو: «كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا. فَأَمْسَكْتُ عَنِ الكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: "اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ "» (¬3)
¬__________
(¬1) البخاري: جـ 1 ص 36، باب كتابة العلم.
(¬2) " فقه الحديث النبوي " للمؤلف.
(¬3) " سنن أبي داود ": ج 2/ 334 برقم 3446.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) الضمدي وليس الغمذي (كما ورد في الكتاب المطبوع) [" أحاديث شفاء الأوام في أحاديث الأحكام " للشيخ عبد العزيز بن أحمد الضمدي اليمني المتوفى سنة 1078هـ].

الصفحة 56