كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

[ ... ] (¬١) الدين ما لم يأذن به الله، وهذا ينكر من الدين ما شرعه الله!
فنفاة المعاني الشرعية والحِكَم الإلهية الذين لا يعتصمون إلا بظاهرٍ من القول إنما يعتصمون بعمومات فيدخلون فيها ما لم يُرِدْهُ المتكلم، أو باستصحاب حال البراءة الذي هو من أضعف الأدلة، وليس هو دليلاً شرعيًا في الحقيقة وإنما هو عدم دليل؛ ولهذا تنازع الناس فيه؛ هل يصلح للنفي أو للدفع على قولين:
قيل: تُنْفَى بهِ الأحكام لكن بعد البحث التام عن الناقل بالاتفاق. وقيل: لا يُنْفَى بهِ شيء بل يدفع بهِ قول المثبت، فيصلح للمنع لا للنفي، والمانع لا دليل عليه، والنافي عليه دليل (¬٢).
فالمانع مطالِبٌ بالدليل؛ كذلك المستمسك بالاستصحاب العدمي المعلوم بالعقل، وأما النافي فهو كالمثبت لا بُدَّ لهُ من دليلٍ عَلِمَ بِهِ النفيَ، والمثبت لا بُدَّ له من دليل عَلِمَ بِهِ الإثبات.
وهؤلاء يقولون: المستصحب طالب علم ليس معه علمٌ لا بنفي ولا إثبات، فليس له أن يعتقد موجَب الاستصحاب ولا يُفتي به ولا يحكم به؛ بل يمسك عن الإثبات كالذي لم يقم معه دليل لا على إثبات ولا نفي (¬٣).
---------------
(¬١) من هنا بدأت النسخة، وهو المجلد الثاني من ردِّ ابن تيمية، وقد تقدم التنبيه على وجود سقط في أول هذا المجلد قرابة عشر لوحات.
(¬٢) مجموع الفتاوى (١١/ ٣٤٢) (١٣/ ١١٢) (٢٣/ ١٥ وما بعدها) (٢٩/ ١٦٥)، جامع المسائل (٢/ ٢٨٢)، المسوَّدة (١/ ٣٠٤) (٢/ ٨٨٥ وما بعدها)، تنبيه الرجل العاقل (١/ ٢٥٥، ٣١٤) (٢/ ٤٤٢ - ٤٤٤، ٦١٧ - ٦٢٠، ٦٢٦).
(¬٣) القواعد الكلية (ص ٤١٩) ــ وهو في المجموع (٢٩/ ١٦٦) ــ: (أما إذا كان المدرك الاستصحاب ونفي الدليل الشرعي: فقد أجمع المسلمون وعُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام: أنه لا يجوز لأحدٍ أن يعتقد ويفتي بموجب هذا الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك؛ فإنَّ جميع ما أوجبه الله ورسوله وحرمه الله ورسوله مغيِّر لهذا الاستصحاب، فلا يُوْثَقُ به إلا بعد النظر في أدلة الشرع لمن هو من أهل ذلك).

الصفحة 3