كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

والثاني يشبه قول من جعل موجَبها الوفاءَ دون الكفارة، وهذا قد قيل إنه كان شرع أهل الكتاب؛ فالقول بلزوم ما عَلَّقَهُ من جنس الشرع المنسوخ شرعِ أهلِ الكتاب وما كانوا عليه في أول الإسلام، وأما القول بأنها غير منعقدة ولا توجب شيئًا فهذا قول من يجعل أيمان المسلمين لا توجب على الحالف شيئًا لا وفاء ولا كفارة، وهذا من جنس قول أهل الجاهلية الذي لم يشرع بحال، وشرعٌ منسوخٌ خيرٌ من قولٍ لم يشرع بحال (¬١).
وليس هذا من خصائص هذه المسألة؛ بل كل مسألة فيها نزاع فالقول المخالف في نفس الأمر لحكم الله ورسوله لا بُدَّ أنْ يكونَ من جنسِ الدين المنسوخ أو المبدل (¬٢)، وإنْ كانَ قائله مجتهدًا مثابًا على ما فعله من طاعة الله ورسوله وخطؤه مغفور له، لكن ليس لله ورسوله في كلِّ حادثةٍ إلا حكمٌ واحدٌ هو الذي بعث به رسوله، وسائرها ليست كذلك وإِنْ عُذِرَ فيها أصحابها وَأُجِرُوا.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة: «لقد حكمتَ فيهم بحكمِ اللهِ منْ فوقِ سبعة أرقعة» (¬٣).
---------------
(¬١) مجموع الفتاوى (٣٣/ ٤٠)، الفتاوى الكبرى (٣/ ٣٠١). وانظر ما سيأتي (ص ٨٥٧).
(¬٢) مجموع الفتاوى (١١/ ٤٠٤)، (١٣/ ٦٤)، (٢٧/ ٣٩٧)، الفتاوى الكبرى (٤/ ٢٧)، الإخنائية (١٦٢ - ١٦٣).
(¬٣) أخرجه بهذا اللفظ: ابن إسحاق في السيرة ــ كما في السيرة النبوية لابن هشام ٣/ ٢٥١، وتخريج أحاديث الكشاف ٣/ ١٠٣ ــ، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (١/ ٣٤٤) عن عاصم بن عمر بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن أبي وقاص الليثي به.
قال الذهبي في العلو (ص ٣٥) وابن حجر في الفتح (٧/ ٤١٢): مرسل.
انظر: إرواء الغليل (٥/ ٢٧٦)، السلسلة الصحيحة (٦/ ٥٥٧).
وأصله في البخاري (٣٠٤٣)، ومسلم (١٧٦٨) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، ولفظ البخاري: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك».

الصفحة 39