كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

أن لا نَفِرَّ (¬١)، بايعناك على الموت (¬٢). كما يقال: عاهدناك وعاقدناك.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس ويبايعونه، وذلك معاهدة ومعاقدة، وهي عقودٌ لازمة تنعقدُ بأيِّ لفظٍ دَلَّ على المقصود كسائر العقود، وهذه يجب الوفاء بها وإن لم يكن فيها حلف بالتزام ما يُكره لزومه، وقد تسمى يمينًا ــ أيضًا ــ، وما وجب الوفاء به من العقود مع الحلف بالأيمان التي يلتزم فيها ما يكره لزومه عند الحنث وجب الوفاء به [١٤/ ب] بدون ذلك، وما لم يجب الوفاء به بدون هذه الأيمان لم تكن اليمين موجبة لما لم يكن واجبًا، ولكنها تؤكد الواجب؛ فلما كان الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه يوفون بعقد المبايعة بلا إقسام، كانوا يبايعون بيعة مطلقةً (¬٣)، ثم لما حَدَثَ غَدْرُ الناس ونكثهم لبيعة أئمتهم وحدث ظلم الأئمة لهم صاروا يُغلِّظون مبايعتهم بالإقسام باسم الله، وتارة يَضُمُّونَ إلى ذلك ما يحلف به من أيمان المسلمين أو بعض ذلك.
ومن المعلوم أنَّ هذا التغليظ لا يُغَيِّرُ حكمَ الله ورسوله؛ بل ما أوجبه الله من طاعة ولاة الأمور (¬٤) وحَرَّمَهُ من غِشِّهم والخروج عليهم= فهذا واجب ومحرم بدون البيعة، ومبايعتهم على ذلك مبايعة على ما هو واجب بدون المبايعة؛ كما أنَّ مبايعة الصحابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - مبايعة على ما هو واجب عليهم بدون المبايعة، فإنَّ طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واجبة فيما يأمرهم به، بايعوه أولم يبايعوه، ولكن مبايعته التزام لأداء هذا الواجب بالشرع، كذلك المبايعة
---------------
(¬٤) أخرجه مسلم (١٨٥٦) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.
(¬٤) أخرجه البخاري (٢٩٦٠)، ومسلم (١٨٦٠) من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -.
(¬١) في الأصل: (مطلقًا)، ولعل الصواب ما أثبتُّ.
(¬٢) في الأصل زيادة: (من طاعتهم)، وبحذفها تكون العبارة أكثر استقامة.

الصفحة 44