كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)
ثم قال: (فإنْ قلتَ: فيلزم أن العتق المنجز لا يقع إذا لم ينو التقرب به، وأن النذر المنجز أو المعلق إذا لم يقصد التقرب به لا يقع) (¬١).
وقال: (قلتُ: أما الأول: فإما أَنْ يلتزم (¬٢) ذلك على مذهب أبي ثور وَيُفَرِّق بين الطلاق والعتق، وإما أَنْ يقول: قصد التقرب لا يشترط إلا للثواب (¬٣)) (¬٤)، ولم يُجِبْ عن قصد النذر؛ وقد تقدم الكلام على ما في هذا الكلام من الفساد (¬٥)، والمقصود هنا الإشارة.
ثم نقول جوابًا عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أن ابن عباس تَكَلَّمَ بصيغةِ حصر، وصيغةُ الحصر يُنفى بها ما كان من جنس المثبت، لا يُنفى بها كل ما سوى المثبت؛ كقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: ٧] {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢١ - ٢٢]، فهو لم ينف جميع الصفات سوى الإنذار، فإنه مبشر مع كونه منذر، وهو شاهد وداعٍ إلى الله ــ تعالى ــ كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦] فوصفه [١٢٥/ أ] بأربع صفات، وكونه نذيرًا واحد منها فليس مراده بقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} لست ببشيرٍ ولا شاهدٍ ولا داعٍ إلى الله، وإنما مقصوده: نَفْيُ كونه يهدي من يشاء ويضل من يشاء،
---------------
(¬١) «التحقيق» (٣٤/ ب).
(¬٢) في الأصل: (يلزم)، والمثبت من «التحقيق».
(¬٣) وعبارته في «التحقيق»: (العتق لا يشترط فيه التقرب إلا للثواب عليه ... ).
(¬٤) «التحقيق» (٣٤/ ب).
(¬٥) انظر: (ص ٥ وما بعدها، ص ١٦ وما بعدها، ص ٣٧٠ وما بعدها).