كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

ولهذا كان بعض الناس قد يظلم بعض العلماء؛ كما ظلموا مالك بن أنس ــ رحمه الله تعالى ــ لما أفتى بأنَّ يمين المكره لا تنعقد، وضَرَبَهُ مَنْ ضَرَبَهُ بطريق الظلم ثلاثين سوطًا (¬١)، والشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ ظلموه لما قَدِمُوا به على الرشيد (¬٢)، وقد روي أنه قيل له لما قَدِمَ على الرشيد بغداد: لا تتكلم في مسألتين: إحداهما: مسألة الحلف بالطلاق قبل النكاح (¬٣).
والشافعي في قوله وقول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين: أنَّ الطلاق المعلَّق على النكاح باطل، فإذا حلف به لم يلزم شيء، ومذهب طائفة من السلف من الصحابة والتابعين: أنه يلزم في الخصوص كقول مالك، وذهب آخرون [١٥/ ب] إلى أنه يلزم في العموم والخصوص كقول أبي حنيفة؛ فعلى هذا القول إذا قال في أيمان البيعة: وكل امرأةٍ أتزوجها فهي
---------------
(¬١) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (القسم المتمم للتابعين ص ٤٤١)، والمِحَن لمحمد بن أحمد التميمي (ص ٢٦٤ وما بعدها)، وترتيب المدارك (٢/ ١٣٤)، والأنساب للسمعاني (١/ ١٧٤).
(¬٢) آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص ٨٥)، مناقب الشافعي للبيهقي (١/ ١١١ وما بعدها)، مناقب الإمام الشافعي للآبري (ص ٧٠)، توالي التأسيس (ص ١٢٧ وما بعدها).
(¬٣) لم يذكر المسألة الثانية، ولعلها مسألة اتهامه بأنه مع العلويين ضد العباسيين.
أما ما يتعلق بقدوم الشافعي إلى بغداد ونهيه عن الكلام في مسألة الحلف بالطلاق قبل النكاح؛ فلم أجد من ذكرها غير المجيب هنا، وابن القيم في إعلام الموقعين (٥/ ٥٤١)، وقول الشافعي في المسألة ذكره ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ولم يُشر إلى امتحان الإمام بسببها، ولعل هذا يعود لما ذكره ابن أبي حاتم في (ص ٩١) ــ وكذلك غيره ــ إلى: أنَّ الحكايات المذكورة في محنة الشافعي كثيرةٌ مضطربة.
وسيشير ابن تيمية إلى قصة مالك والشافعي مرةً أخرى في (ص ٢٩٦).

الصفحة 47