كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

ومعاهدة لسرية عاصم مؤكدة باليمين، ومثل هذا يجب الوفاء به باتفاق المسلمين ولا يجوز فيه الحنث والتكفير.
ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [الأحزاب: ١٥]، فإن تولية الأدبار من الكبائر، والامتناع من التولي واجب بالشرع، فإذا عاهدوا الله عليه توكَّد وجوبه؛ كالذي يعاهد الله على العمل بطاعته، وكالذين يبايعون النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان به وطاعته قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ١٠] فقد بين أن ما بايعوا الله عليه فقد عاهدوا الله عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١] قال غير واحد من السلف: يتساءلون به أي: يتعاقدون ويتعاهدون؛ فإنَّ كل واحد من المتعاهدين المتعاقدين يسأل بالله (¬١) ويطلب منه ما عاهده عليه (¬٢)،
وهذه معاهدة بالله وإن لم يتكلم بها بحرف القسم، وتسمى هذه أيمانًا؛ قال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ
---------------
(¬١) في الأصل: (الله)، والصواب ما أثبتُّ.
(¬٢) انظر آثار السلف في ذلك: تفسير الطبري (٦/ ٣٤٢ وما بعدها)، تفسير ابن المنذر (٢/ ٥٤٨)، تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٨٥٤).

وانظر: مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٣٩ - ١٤٠، ٣٢/ ١٣)، الفتاوى الكبرى (٤/ ٨٣ - ٨٤)، القواعد الكلية (ص ٣٨٥)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٣٠٨، ٣٢٧)، الصارم المسلول (٢/ ٤٢)، أحكام أهل الذمة (٣/ ١٣٨٧ وما بعدها).

الصفحة 74