كتاب الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (اسم الجزء: 1)

وهذا مسلكُ محمد بن جرير (¬١) تلقاهُ عن أبي ثور، واعتقد الإجماع كما اعتقده أبو ثور وعنه أخذَهُ، وكان كتابُ أبي ثورٍ عنده ينقل منه كما نقلَ منه في كتاب (الاختلاف) ألفاظَ أبي ثورٍ بعينها.
وابن جرير كانَ أوسعَ ادعاءً للإجماع من أبي ثور، فإنه كان يقول: إنَّ خلافَ الواحد والاثنين لا يُعتدُّ بِهِ، فجعلَ قولَ الجمهور إجماعًا؛ كما فعلَ ذلك في مسائل كثيرة (¬٢)، كما ادعى الإجماع على أنَّ متروكَ التسميةِ سهوًا يُباحُ أكلُهُ (¬٣)، وأمثالِ ذلك مما يُنكرُهُ عليه جمهور العلماء، ثمَّ إنَّه مع ذلك
---------------
(¬١) كتب الناسخ في الهامش: (أظنه: ابن نصر).
ويحتمل ما هو مثبت ويحتمل ما أشار إليه الناسخ في الهامش، وذلك لأنَّ لكلٍّ من المروزي والطبري كتابًا بعنوان (اختلاف الفقهاء)، وكلاهما نقل عن أبي ثور الإجماع في هذه المسألة.
انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي (ص ٤٩١ وما بعدها)، وأما (اختلاف الفقهاء) للطبري فالمطبوع منه لا يوجد فيه هذا النقل عن أبي ثور إلا أنَّ ابن تيمية في (ص ١٦٩) أشار إلى أنَّ الطبري نقل الإجماع استنادًا على كلام أبي ثور.
والذي يظهر لي ــ والله أعلم ــ أن المثبت هو الصواب؛ لأنَّ هذا هو المنقول من الأصل المنسوخ منه، ولأنَّ الكلام الذي بعده متعلق بالطبري لا المروزي.
(¬٢) منهاج السنة (٨/ ٣٣٥). وانظر ما سيأتي (ص ٢٢٥، ٢٢٧).
وما ذكره المجيب عن ابن جرير هو المشهور في كتب الأصوليين، وقد نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء (٦/ ٢٤٥٨) تعريف الطبري للإجماع فقال: (ولو رجع ــ أي: ابن داود ــ إلى كتابه في رسالة اللطيف وفي رسالة الاختلاف وما أودعه كثيرًا من كتبه من أن الإجماع هو: نقل المتواترين لما أجمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الآثار، دون أن يكون ذلك رأيًا ومأخوذًا جهة القياس).
(¬٣) جامع البيان في تفسير القرآن (٩/ ٥٢٩).

الصفحة 9