كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 4)

وقال آخرون: جائز ذلك لكل أحد: للضعيف والقوى، وكانوا يقولون: إنما جَمْع منزل نزله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كبعض منازل السفر، فمن شاء طواه فلم ينزل به، ومن شاء نزله فله أن يرتحل منه متى شاء من ليل أو نهار، ولا شىء عليه، روى ذلك عن عطاء، وهو قول الأوزاعى، واحتجوا بما حدثنا أبو كريب قال: حدثنا خالد بن مخلد، عن محمد بن عبد الله، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: (إنما جمع منزل لدلج المسلمين) . وقال الطحاوى: ذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض لا يجوز الحج إلا بإصابته، واحتجوا فى ذلك بقوله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) [البقرة: 198] فذكر الله المشعر الحرام كما ذكر عرفات، وذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حديث عروة بن مضرس، فحكهما واحد لا يجزئ الحج إلا بإصابته. قال ابن المنذر: وهذا قول علقمة والشعبى والنخعى، قالوا: فمن لم يقف بجمع فقد فاته الحج، ويجعل إحرامه عمرة. قال الطحاوى: والحجة عليهم أن قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (ليس فيد دليل أن ذلك على الوجوب، ولأن الله إنما ذكر الذكر، ولم يذكر الوقوف، وكُل قد أجمع أنه لو وقف بمزدلفة ولم يذكر الله تعالى أن حجة تام، فإذا كان الذكر المذكور فى الكتاب ليس من صلب الحج، فالموطن الذى يكون ذلك الذكر فيه الذى لم يذكر فى الكتاب أحرى ألا يكون فرضًا، وقد ذكر الله أشياء فى كتابه فى الحج لم يُرد بذكرها إيجابها فى قول أحد من الأمة، من

الصفحة 363