كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 4)

حُصر فيه وقد حَلَّ، كما فعل النبى عليه السلام بالحديبية، وهو قول أشهب، وقال أبو حنيفة: الهدى واجب عليه أن ينحره فى الحرم وقد حَلَّ. واحتجوا بإيجاب الهدى عليه بقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ) [البقرة: 196] الآية فأجابهم الكوفيون أن هذا إحصار مرض، ولو كان إحصار عدو لم يكن فى نحر أهل الحديبية حجة؛ لأن ما كان معهم من الهدى لم يكونوا ساقوه لما عرض لهم من حصر العدو؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يعلم حين قلده أنه يُصَد، وإنما ساقه تطوعًا، فلما صُد أخبر الله تعالى عن صدهم وحبسهم الهدى عن بلوغ محله، وكيف يجوز أن ينوب هدى قد ساقه عليه السلام قبل أن يُصَدَّ عن دم وجب بالصَّدِّ، ولم يأمرهم عليه السلام بدمٍ لحصرهم، قاله جابر بن عبد الله، ولو وجب عليهم الهدى لأمرهم به كما أمرهم بالحلق الذى وجب عليهم، فكيف يُنقل الحلق ولا يُنقل إيجاب الهدى، وهو يحتاج إلى بيان من معه هدى ما حكمه؟ ومن لا هدى معه ما حكمه؟ وأما قول أبى حنيفة: ينحره فى الحرم، فقوله تعالى: (وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) [الفتح: 25] يدل أن التقصير عن بلوغ المحل سواء كان ذلك فى الحل أو الحرم اسم التقصير واقع عليه إذا لم يبلغ مكة؛ لقوله تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة: 95] وقول ابن عمر: (إنما شأنهما واحد) يعنى: الحج والعمرة فى اجتناب ما يجتنبه المحرم بالحج وفى العمل لهما؛ لأن طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا يجزئ القارن عنده.

الصفحة 458