كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 4)

واختلفوا فيمن أحصر بمرض، فقال مالك: لا يجوز لمن أحصر بمرض أن يحل دون البيت بالطواف والسعى الذى هو عمل العمرة، ثم عليه حج قابل والهدى. وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق، وروى عن ابن عمر وابن عباس. وقال أبو حنيفة: المحصر بالمرض الذى حيل بينه وبين البيت، وحكمه حكم المحصر بالعدو، فعليه أن يبعث بهديه إلى الحرم، فإذا عَلم أنه قد نُحر عنه حَلَّ فى مكانه من غير عمل عمرة، وإنما لم يَرَ عليه عمرة؛ لأنه محرم، والعمرة تحتاج إلى إحرام مستأنف، ولا يدخل إحرام على إحرام. وهو قول النخعى وعطاء والثورى. واحتجوا بحديث الحجاج بن أبى عثمان الصواف، عن يحيى بن أبى كثير قال: حدثنا عكرمة قال: حدثنى الحجاج بن عمرو قال: سمعت النبى عليه السلام يقول: (من كُسر أو عرج فقد حَلَّ) يحتمل أن يكون معناه: فقد حل له أن يحل إذا نحر الهدى فى الحرم، لا على أنه قد حَلَّ بذلك من إحرامه، كما يقال: حَلَّتْ فلانة للرجل، إذا خرجت من عدتها، ليس على معنى أنها قد حلت للأزواج، فيكون لهم وطؤها، ولكن على معنى أنهم قد حل لهم تزويجها، فيحل لهم حينئذٍ وطؤها. هذا سائغ فى الكلام، وهذا يوافق معنى حديث ابن عمر أن النبى عليه السلام لم يحل من عمرته بحصر العدو إياه حتى نحر الهدى، ومعنى هذا الحديث عند أهل المقالة الأولى (فقد حل) يعنى: إذا وصل البيت فطاف وسعى، حلا كاملا، وحَلَّ له بنفس الكسر والعرج أن يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدى، وليس للصحيح أن يفعل ذلك. فقال الترمذى: سألت البخارى عن هذا الحديث فقال: رواه

الصفحة 459