كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 4)

وَرَحْمَةَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِى مِنْهُ فَاضِلَةٌ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: (كُلُوا) ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وفى حديث أبى قتادة من الفقه أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده وصاده حلال، وفى ذلك دليل أن قوله تعالى: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) [المائدة: 96] معناه: الاصطياد، وقيل: الصيد وأكل الصيد لمن صاده، وإن لم يصده فليس ممن عُنى بالآية، يبين ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ) [المائدة: 95] لأن هذه الآية إنما نُهى فيها عن قتل الصيد واصطياده لا غير. وهذه مسألة اختلف فيها السلف قديمًا، فذهبت طائفة إلى أنه يجوز للمحرم أكل ما صاده الحلال، روى هذا عن عمر بن الخطاب وعثمان والزبير وعائشة وأبى هريرة، وإليه ذهب الكوفيون، وذهبت طائفة إلى أن ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله، وما لم يُصد له فلا بأس بأكله، وهو الصحيح عن عثمان، وروى عن عطاء، وهو قول مالك فى العتبية وكتاب ابن المواز، وبه قال الشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وذكر ابن القصار أن المحرم إذا أكل ما صيد من أجله فعليه الجزاء، استحسان لا قياس. وعند أبى حنيفة والشافعى: لا جزاء عليه. واحتج الكوفيون بقوله عليه السلام للمحرمين: (كلوا) قالوا: فقد علمنا أن أبا قتادة لم يصده فى وقت ما صاده إرادةً منه أن يكون له خاصَةً، وإنما أراد أن يكون له ولأصحابه الذين كانوا معه، فقد أباح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك له ولهم، ولم يحرمه لإرادته أن يكون لهم معه، قاله الطحاوى.

الصفحة 483