كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 4)

- باب فَضْلِ الصَّوْمِ
/ 2 - فيه: أَبِو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبىِّ، عليه السلام: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ، فإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ، مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى، الصِّيَامُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) . قوله: (الصيام جنة) ، أى ستر من النار، ومنه قيل للترس: مجن؛ لأن صاحبه يستتر به. وقوله: (فلا يرفث) ، فالرفث هاهنا الفحش والخنا، والجهل ما لا يصلح من القول والفعل، قال الشاعر: فنجهل فوق جهل الجاهلينا ألا لا يجهلن أحد علينا والجهل: السفه. قال المهلب: واختلف أهل العلم فى معنى قوله: (فليقل: إنى صائم) ، فقيل: يقول: إنى صائم، للذى يشاتمه، ليكف عن شتمه، واستدل بعضهم بقول مريم: (إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم: 26] ، فكان حكم الصيام عند مريم وأهل زمانها أن لا يتكلموا فيه، وكان هذا متعارفًا عندهم. وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أبلغك أنه يؤمر الإنسان إذا دعى إلى طعام أن يقول: إنى صائم؟ قال: سمعنا أبا هريرة يقول: إذا كنت صائمًا، فلا تساب ولا تجهل، فإن جهل عليك فقل: إنى صائم. وروى عن ابن مسعود: إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم، فليقل: إنى صائم، وقاله قتادة، والزهرى. وقال طائفة: معنى قوله: (فليقل: إنى صائم) ، أى يذكر نفسه بذلك، ولا يجهر به، ولا يراجع به

الصفحة 8