كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 6)

وأولى الأقوال بالصواب فى ذلك قول من أجاز الانتصاف من حقه إذا وجد مال من ظلمه بدلالة الآية، ودلالة حديث هند، ألا ترى أن النبى - عليه السلام - أجاز لها أن تطعم عيلة زوجها من ماله المعروف، عوض ما قصر فيه من إطعامهم، فدخل فى معنى ذلك كل من وجب عليه حق ولم يوفه أو جحده أنه يجوز له الاقتصاص منه، وليس قوله عليه السلام: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) بمخالف لهذا المعنى؛ لأن من أخذ حقه فلا يسمى خائنًا. وقوله: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) معناه الخصوص، فكأنه قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك إذا لم يكن غاصبًا لمالك ولا جاحدًا له، وأما من غصبك حقك وجحدك فليس يدخل فيمن أمر بأداء الأمانة إليه؛ لقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (ولدلالة حديث هند، وهذا التأويل ينفى التضاد عن الآثار ودليل القرآن. وأما حديث عقبة بن عامر فقال أكثر العلماء أنه كان فى أول الإسلام، حين كانت المواساة واجبة، وهو منسوخ بقوله عليه السلام: (جائزته يوم وليلة) قالوا: والجائزة تفضل وليست بواجبة، وستأتى مذاهب العلماء فى الضيافة فى كتاب الأدب فى باب إكرام الضيف - إن شاء الله.

الصفحة 585