كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 7)

اختلف العلماء فى بيع المدبر، فقالت طائفة: يجوز بيعه ويرجع به صاحبه متى شاء، هذا قول مجاهد وطاوس، وبه قال الشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، واحتجوا بهذا الحديث، قالوا: وهو مذهب عائشة، وروى عنها أنها باعت مدبرة لها سحرتها. وقالت طائفة: لا يجوز بيع المدبر، روى ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر، وهو قول الشعبى، وسعيد بن المسيب، وابن أبى ليلى، والنخعى، وبه قال مالك، والثورى، والليث، والكوفيون، والأوزاعى، قالوا: لا يباع المدبر فى دين ولا غيره، فى الحياة ولا بعد الموت، والحجة لهم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) [المائدة: 1] ، والتدبير عقد طاعة يلزم الإنسان الوفاء به، فلا سبيل إلى حله والرجوع فيه؛ لأنه عقد حرية بصيغة آتية لا محالة، قالوا: ولا حجة فى حديث جابر لمن أجاز بيع المدبر؛ لأن فى الحديث أن سيده كان عليه دين فباعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بثمانمائة وأعطاه، وقال له: (اقض دينك) ، فثبت بهذا أن بيعه إنما كان من أجل الدين الذى عليه، فأما إذا لم يكن عليه دين قبل تدبيره فلا سبيل إلى بيعه. وأيضًا فإن سيده كان سفيهًا، ولذلك باعه النبى، عَلَيْهِ السَّلام، وبيع المدبر عند من أجازه لا يفتقر صاحبه فيه إلى بيع الإمام، وهذا الحديث عند العلماء أصل فى أن أفعال السفيه مردودة، فلا حجة لهم فيه. فإن قيل: إن التدبير وصية يجوز الرجوع فيه، قيل: ليس كونه

الصفحة 49