كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 7)

جوازه، وهذا الحديث حجة فى ذلك؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد جعل عتق المائة رقبة فى الجاهلية من أفعال الخير المجازى بها عند الله المتقرب بها إليه، ودل ذلك على أن مسلمًا لو أعتق كافرًا لكان مأجورًا على عتقه؛ لأن حكيمًا إنما جعل له الأجر على ما فعل فى جاهليته بالإسلام الذى صار إليه، فلم يكن المسلم الذى فعل مثل فعله فى الإسلام بدون حال حكيم، بل هو أولى بالأجر. واختلف فى عتق المشرك فى كفارة اليمين وكفارة الظهار، فأجازه قوم، وقالوا: لما أطلق اللفظ فى عتق رقبة الظهار وكفارة اليمين، ولم يشترط فيها الإيمان، جاز فى ذلك المشرك. ومنع ذلك آخرون، وقالوا: لا يجوز فى شىء من الكفارات إلا عتق رقبة مؤمنة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى فى كفارة القتل: (فتحرير رقبة مؤمنة) [النساء: 92] ، فقيد الرقبة بالإيمان، قالوا: فوجب حمل المطلق على المقيد إذا كان فى معناه، وهذا فى معناه؛ لأن الكفارة تجمع ذلك، واحتجوا على ذلك بأن الله أمر بالإشهاد عند التبايع، فقال: (وأشهدوا إذا تبايعتم) [البقرة: 282] ، ثم قيد ذلك بالعدالة فى موضع آخر بقوله: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) [الطلاق: 2] ، و) ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282] ، فلم يجز من الشهداء إلا العدول، فوجب حمل المطلق على المقيد.

الصفحة 52