كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 7)

أحد قولى الشافعى. وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترطه، وهو قول الشافعى الثانى، قال: والهبة للثواب باطل لا تنعقد؛ لأنها بيع بثمن مجهول. واحتج الكوفى بأن موضع الهبة التبرع، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع، وصار فى معنى المعاوضات، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة، فجعلت لفظ البيع واقعًا على ما يستحق فيه العوض، والهبة بخلاف ذلك. قال ابن القصار: والحجة لمالك أن النبى، عَلَيْهِ السَّلام، كان يقبل الهدية ويثيب عليها، والاقتداء به واجب؛ لقوله تعالى: (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21] . وروى أن أعرابيًا أهدى إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) بعيرًا، فأثابه عليه فأبى، فزاده فأبى، فقال له، عَلَيْهِ السَّلام: (لقد هممت ألا أتهب إلا من قرشى أو دوسى) ، فدل أن الهبة تقتضى الثواب، وإن لم يشترطه؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) أثابه وزاده فى الثواب حتى بلغ رضا الأعرابى، ولو لم يكن واجبًا لم يثبه ولم يزده، ولو أثاب تطوعًا لم تلزمه الزيادة، وكان ينكر على الأعرابى طلبه للثواب حتى يحصل علمه هذا عند الناس. وأما قوله: إن الهبة موضوعة للتبرع، ومخالفة للفظ البيع، فالجواب أن الهبة لو لم تقتض العوض أصلاً لكانت بمنزلة الصدقة، يقصد بها ثواب الآخرة. والفرق بين الهبة والصدقة أن الواهب يقصد المكافأة فى الأغلب،

الصفحة 96