كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 8)

وكيف تجوز قضايا المحدود ولا تجوز شهادته، وكذلك يلزم أبا حنيفة التناقض فى إجازته النكاح بشهادة محدودين، وإنما أجاز ذلك؛ لأن من مذهبه أن الشهود فى النكاح خاصة على العدالة وفيما سوى ذلك على الجرحة وهذا تحكم، وتغنى حكاية هذا القول عن الرد عليه. وقال ابن المنذر: أجاز أبو حنيفة النكاح بشهادة فاسقين، وقد أجمع أهل العلم على رد شهادتهم، وأبطل النكاح بشهادة عبدين. وقد اختلف أهل العلم فى قبول شهادتهم، والنظر دال على أن شهادتهم مقبولة إذا كانا عدلين، ودليل القرآن وهو قوله: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات: 13] . وأما إجازته شهادة المحدود فى هلال رمضان، فإنه أجرى ذلك مجرى الخبر، والخبر يخالف الشهادة فى المعنى؛ لأن المخبر له مدخل فى حكم ما شهد به وهذا غلط؛ لأن الشاهد على هلال رمضان لا يزول عنه اسم شاهد ولا يسمى مخبرًا، فحكمه حكم الشاهد فى المعنى لاستحقاقه ذلك بالاسم، وأيضًا فإن الشهادة على هلال رمضان حكم من الأحكام، ولا يجوز أن يكون يقبل فى الأحكام إلا من تجوز شهادته فى كل شىء، ومن جازت شهادته فى هلال رمضان ولم تجز فى القذف؛ فليس بعدل ولا هو ممن يرضى؛ لأن الله إنما تعبدنا بقبول من نرضى من الشهداء، والله الموفق.

الصفحة 20