كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 8)
لا حظ لهن فيها، قال المؤلف: يعنى منفردات، وذلك لآيتين تأولهما، فيما نرى والله أعلم، أما آية الحدود فقوله: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) [النور: 4] فعلم أن الشهادة فى اللغة لا تقع إلا على الذكور، ثم أمضوا على هذا جميع الحدود من الزنا والسرقة والفدية وشرب الخمر والقصاص فى النفس وما دونها. وأما آية الأموال فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم (إلى) ترضون من الشهداء) [البقرة: 282] ثم أمضوا على هذا جميع الحقوق والمواريث والوصايا والودائع والوكالات والدين، فلما صاروا إلى النكاح والطلاق والعتاق لم يجدوا فيها من ظاهر القرآن ما وجدوا فى تلك الآيتين. واختلفوا فى التأويل فشبهها قوم بالأموال فأجازوا فيها شهادة النساء. وقالوا: ليست بحدود وإنما توجب مهورًا ونفقات النساء. وأبى ذلك آخرون ورأوها كلها حدودًا؛ لأن بها يكون استحلال الفروج وتحريمها. قال أبو عبيد: وهذا القول يختار؛ لأن تأويل القرآن يصدقه، ألا تسمع قوله تعالى حين ذكر الطلاق والرجعة فقال: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) [الطلاق: 2] فخص بها الرجال ولم يجعل للنساء فيها حظا كما جعله فى الدين، ثم أبْينُ من ذلك أنه سماها: حدود الله فقال: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) [البقرة: 229] فكان هذا أكثر من التأويل. والأمر عندنا عليه أنه لا تجوز شهادتهن فى نكاح ولا طلاق ولا رجعة، وكيف يقبل قولهن فى هذه الحال على غيرهن ولا يملكنها من أنفسهن، ولم يجعل الله إليهن عقد نكاح ولا حله؟ لأن الله خاطب الرجال فى ذلك دونهن فى كتابه.
الصفحة 22
616