كتاب شرح صحيح البخارى لابن بطال (اسم الجزء: 10)

وعن ابن عباس قال: (سأل موسى صلوات الله عليه ربه تعالى فقال: ربّ، أى عبادك أحبّ إليك؟ قال: الذى يذكرنى ولا ينسانى) . ثم قال ابن عباس: ما جلس قوم فى بيت من بيوت الله، يذكرون الله، إلا كانوا أضيافًا لله عز وجل ما داموا فيه حتى يتصدعوا عنه، وأظلتهم الملائكة بأجنحتها ما داموا فيه. ذكر هذه الآثار كلها الطبرى فى آداب النفوس، قال المؤلف: وفقه هذا الباب أنّ معنى أمر الله تعالى العبد بذكره وترغيبه فيه؛ ليكون ذلك سببًا لمغفرته تعالى له ورحمته إياه، لقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152] وذكر الله للعبد رحمه له، قال ثابت البنانى: قال أبو عثمان النهدى: إنى لأعلم الساعة التى يذكرنا الله تعالى فيها. قيل: ومن أين تعلمتها؟ قال: يقول الله: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ) [البقرة: 152] . وقال السدى: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب. وروى معناه عن ابن عباس وقيل: المعنى: اذكروا نعمتى عليكم شكرًا لها، أذكركم برحمتى والزيادة من النعم. وروى عن عمر بن الخطاب: إن الذكر ذكران: أحدهما: ذكر الله عند أوامره ونواهيه، والثانى: ذكر الله باللسان، وكلاهما فيه الأجر، إلا أن ذكر الله تعالى عند أوامره ونواهيه إذا فعل الذاكر ما أمر به، وانتهى عما نُهى عنه؛ أفضل من ذكره باللسان مع مخالفة أمره ونهيه، والفضل كله والشرف والأجر فى اجتماعهما من الإنسان، وهو ألا ينسى ذكر الله عند أمره ونهيه فينتهى، ولا ينساه من ذكره بلسانه، وسأذكر فى كتاب الرقاق فى باب من همّ بحسنة أو سيئة،

الصفحة 137