كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 1)

بالرضوان فإنهم اعتبروا الآيات والأخبار الواردة، فما جاز إطلاق ظاهره على اللَّه عز وجل وما دلت عليه أوضاع اللغة العربية أجروه بظاهره ولا يحتاجون فيه إلى تأويل لاستمراره في منهج الصحة والصدق.
وما لم يجز إطلاق ظاهره على اللَّه عز وجل لقيام الدليل على استحالة إطلاق ظاهره عليه أولوه تأويلًا تقتضيه اللغة العربية وقد أطردت العادة بمثله؛ فرارًا من إطلاق ظاهره عليه مالا يجوز إطلاقه على اللَّه عز وجل، فقالوا في الاستواء: أنه بمعنى الاستيلاء والقدرة عليه وقد أطلق أهل اللغة الاستواء بهذا المعنى في غير الآية، وإنما خص الاستيلاء بالعرش لأن العرش أعظم الموجودات وهو محيط بالكرسي الذي وسع السموات والأرض، وإذا أضاف الاستيلاء إلى أعظم موجوداته كان مادونه أولى بالاستيلاء.
هذا قاله الراسخون في العلم الذين أخبر اللَّه عز وجل عنهم أنهم هم الذين يعلمون تأويل كتابه فقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].
وأما ما ذهب إليه طوائف المشبهة والمجسمة في أمثال هذه الآيات والأخبار من التشبيه والتجسيم حتى قالوا: إن الاستواء على العرش هو القعود عليه والاستقرار كما تستقر الأجسام بعضها على بعض فاللَّه سبحانه وتعالى منزه عن هذه الأقوال المفتراه والآراء الفاسدة التي تفضي بقائلها إلى سواء الجحيم، نسأل اللَّه العصمة والتوفيق في القول والعمل، وأن يهدينا سواء السبيل.
وهذا الذي قاله ابن الأثير -رحمه اللَّه- وأثنى به على قائله خلاف ما ذهب إليه المحققون من أهل السنة والجماعة.
قال ابن خزيمة في التوحيد (1/ 233).
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. وقال ربنا -عز وجل-: {إِنَّ

الصفحة 11