كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 1)

بسم اللَّه الرحمن الرحيم
وصل اللهم على محمد وعلى آله وسلم
الحمد للَّه الذي أنطق ألسنة العصماء بجوامع الكَلم، وأغرق قلوب البلغاء بينابيع الحِكَم، ورفع أقدار العلماء بعوالي الهمم، إلى مراتب العلا الغوالي القيم، أحمدهُ على تظاهر النعم، وتناصر القسم، حمدًا ينْفي عن الأغراضِ أجناس التهم، وعن الأعراض أدناس الكبائر واللمم، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه شهادة تصون الأسماع عن نقيصة الصمم، والألسن عن فضيحة العي والبكم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله شهادة تشفي عليل الخواطر من سوء الفهم، وعليل الأفكار من السأم، وأصلي عليه، وعلى آله صلاة تهدي قائلها إلى طريق الحق الواضح اللَّقم (¬1)، وتنير لسالكيه جَوَادَّ الطلب في غياهب الظلم.
أما بعد: فإن أحسن القول أصدقه، كما أن أصدق الفعل أحسنه، وأمكن الكلام أصحه، كما أنَّ أصح المعنى أمكنه، وإني وإن كنت في هذا المقام طالب شكرٍ، وراغبًا في جميل ذكرٍ، فإن الحق لا يُدْفَعُ والصواب لا يمنع، فرحم اللَّه امرأً عرف نفسه فوقف بها حيث انتهت، عالماً أن لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وازنًا أقواله وأفعاله بميزان العدل، قائلاً في الاعتراف بالحق بالقول الفصل، لا كالغُمْر (¬2)؛ يحسب نفسه فَطِنًا، والألكن (¬3)؛ يظن عِيَّه لَسَنًا، أو كمن زُين له سوء عمله فرآه حسنًا، نعوذ باللَّه من موقف الخزي والندم، ومقام العُجْبِ ومزلة القدم، وإليه نرغب أن يوفقنا للسداد من القول والعمل، ويعصمنا
¬__________
(¬1) اللَّقَم بالتحريك: وسط الطريق. اللسان مادة لقم.
(¬2) هو الجاهل الغِرُّ الذي لم يجرب الأمور، ورجل غُمْر وغَمِر لا تجربة له بحرب ولا أمر ولم تحنكه التجارب. اللسان مادة غمر.
(¬3) اللُّكنة: عُجْمَةٌ في اللسان وَعِيٌّ، قال ابن سيده: الألكن الذي لا يقيم العربية من عجمة لسانه.
اللسان مادة لكن.

الصفحة 25