كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

وللحقة: وهي التي تؤخذ من ستة وأربعين فريضة، وللجذعة: وهي التي تؤخذ من إحدى وستين فريضة، وإنما أدخلت الهاء فيها لأنها جعلت اسمًا لا وصفًا.
وقوله: "التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" له وجوه من التأويل:
الأول: أن يكون الفرض من الإيجاب.
والثاني: أن يكون من الاستنان كما سبق.
والثالث: أن يكون من البيان والإيضاح.
فالأول تقديره: أن الله أوجبها وأمر بها في كتابه، ثم أُمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغها أمته، فأضاف الفرض إليه حيث هو مُبَلِّغُه ومُعَرِّفُه الناس، نسمي أمره ومبلغه: فرضها.
وأما الثاني: فإنه يكون أراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَنّها للناس وأمرهم بها عن الله تعالى، وليست مما نزل بها قرآن، وإنما جرى حكمها مجرى ما سنّه من الأحكام التي لم ينطق بها القرآن، فإن كل ما شرعه الرسول مما لم يرد به نص في كتاب الله تعالى له: سنة، ولهذا يقال: إن الأدلة الشرعية نص أو إجماع أو قياس، ثم يقال: النص ينقسم إلى: الكتاب والسنة، والسنة وان كانت ما أمر به الرسول -صلوات الله عليه- فلا خلاف أنها واردة بأمر الله تعالى.
وأما الثالث: فهو البيان والتقدير، كقوله سبحانه وتعالى: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬1) أي: بَيّن وقدَّر، ومن هذا قولُهم: فرض أرزاق الجند، وفرض نفقة الأزواج والأقارب، أي: قدّر وبين، فيكون المعنى: أن الحكم فيها لله تعالى وهو صادر عن أمره، وأن البيان والتقدير هو مما فرضه النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: سنه وقدره، فإن نص الكتاب في الزكاة هو قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2)، وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬3)
¬__________
(¬1) [التحريم: 2].
(¬2) [التوبة: 103].
(¬3) في الأصل: (يأيها الذين آمنوا أقيموا ...) وهو خطأ. والآية الكريمة وردت في غير ما موضع من
كتاب الله مثل: [سورة النور: 56]، و [المزمل: 20] وغير ذلك.

الصفحة 15