كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

وغير ذلك من الآيات، فأوجب الزكاة مجملًا, ولم يُعرف تفصيلها وتقديرها إلا من السنة ولفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُعَضد التأويلين الأخيرين قولُه: "التي أُمر بها" بمعنى أن الله فرضها وأوجبها وأَمر بها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سنها وبينها.
وفي رواية الشافعي: "التي أمر بها" بغير واو، وعند الباقين "والتي أمر بها" قالوا: وهو معطوف على قوله: "التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يعني أن فريضة الصدقة هي الجامعة بين الأمرين: تقدير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستنانه، وأمْر الله وإيجابُه.
وبحذف الواو تكون الجملة الثانية مبدلة من الجملة الأولى، كأنه قال ابتداًء: هذه فريضة الصدقة التي أمر الله بها، وذلك أنها لما قال أولاً: "هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أوجب وَهْمًا، وهو: ظن من يظن أنها مما فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفسه، وأن التقدير ربما توقفت في قولنا، فقال قلنا "التي أمر الله بها" فإن أضافتها إلى الله أَثْبتُ في النفوس من إضافتها إلى الرسول، وفي كل واحدة من الروايتين معنًى حسنًا ليس في الأخرى.
وقوله: "فمن سُئلها على وجهها" يريد بوجهها: ما بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فرض مقاديرها وتعين كمياتها، والمقدار الواجب في كل جملة منها، وما لا يجب فيه حقيقة.
وقوله: "على وجهها" أي على الحال التي قررت عليها، والجهة التي أضيفت إليها، فإن الوجه والجهة متقاربان.
وقوله: "ومن سُئل فوقها فلا يعطه" يريد الزيادة على المقدار المعين، إذا طلب الساعي زيادة على الزكاة من رب المال فلا يعطه ذلك.
وقيل: أراد الساعي إذا طلب الزيادة، فلا يعطى الزيادة ولا الزكاة أيضاً، لأنه بطلبه الزيادة متعدٍ، وإذا تعدى الساعي كان خائنًا فلا يجوز أن يدفع إليه شىء من الزكاة.

الصفحة 16