كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

وقولى: "في أربع وعشرين فما دونها الغنم" كلام مستأنف يقتضي تفصيلاً, لأنه في الأول أجمل القول وعمم الحكم، ثم ابتدأ مفسرًا لما أجمله، ومخصصًا لما عممه، فقال: "في أربع وعشرين" وموضعه رفع لأنه خبر مقدم على مبتدئه وهو الغنم، وإنما قدم الخبر لأن الغرض من الحديث أمران:
أحدهما: بيان الأقدار التي تجب فيها الزكاة.
والثاني: بيان أقدار الزكاة الواجبة في الأموال، والزكاة إنما تجب وتتعين بعد وجوب الأموال الواجبة فيها، ثم يترتب وجود الزكاة على وجودها، فقدم في الذكر ما هو السابق في الوجود وأخر ما هو اللاحق.
وكذلك استعمل هذا المعنى في جميع فرائض الزكاة، فقال: "ففيها بنت مخاض، وفيها بنت لبون، وفيها حقة، وفيها جذعة".
وإنما أنَّث العدد لأنه أراد الإناث، أو لأن العدد إذا كان جملة جاز تأنيث عدده وتذكيره، تقول: عندي ثلاثة رجال، وثلاث رجال، إذا نظرتَ إلى الأفراد ذكرتَ، وإذا نظرت إلى الجمع أنَّثت.
وقد ذكر في هذا الحديث من أسنان الإبل أربعة: وهي بنت مخاض، وبنت لبون، والحقة، والجذعة لأن الجذعة آخر الأسنان التي تجب فيه الزكاة ولم يذكر ما قبل ابنة مخاض ولا ما بعد الجذعة.
وقد ذكر الشافعي -رحمه الله- من رواية حرملة بن يحيى قال: إذا وضعت الناقة قيل لولدها: ربع، والأنثى: ربعة، وهو في ذلك كله خوار فلا يزال خوارًا حولاً، ثم يُفصل، فإذا فُصِل عن أمه فهو: فَصِيل -والفِصال هو الفطام-، فإذا استكمل الحول ودخل في الثاني فهو ابن مخاض والأنثى ابنة مخاض، وإنما سمي ابن مخاض لأنه فُصل عن أمه ولحقت أمه بالمخاض وهي الحوامل، فهو ابن مخاض وإن لم تكن حاملًا, ولا يزال ابن مخاض السنة كلها، فإذا استكملها ودخل في الثالثة فه وابن لبون والأنثى ابنة لبون، وإنما

الصفحة 17