كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

في جميع ما كان من جنسه وجرى مجراه.
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رجب مضر الذي بين جُمادى وشعبان" فيه زيادة معنى وباعث على القول غير التأكيد والتقرير، وذلك أن العرب كانت تنسئ الأشهر، فتؤخر الشهر من موضعه إلى شهر آخر، وذلك أنها كانت تقول: رجب شهر حرام، وكانوا لا يحاربون في الأشهر الحرم، وكانت أكثر معايشهم وأرزاقهم من الغارات؛ وكانوا يؤخرون الشهر الحرام إلى شهر بعده ليحاربوا في الشهر الحرام ويغيروا، فكان الشهر الحرام ينتقل عن موضعه ووقته الحقيقي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن شهر رجب هو الذي بين جمادى وشعبان، لا رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه وأخرتموه، فلذلك جاء بهذه الزيادة لا لمجرد التأكيد، فإذا تقرر هذا فلنرجع إلى قوله: "بنتُ مخاضٍ أنثى، وبنت لبون أنثى" فنقول: إنه لما قال: "بنت لبون، وبنت مخاض"، لم يسمع السامع لفظ يدل على الأنوثة إلا مجرد قوله: "بنت" وكان بإزاء بنت المخاض ابن لبون، فخشي أن المخاطب ربما يكون قد شذ عنه ما قد فرض عليه، فربما ظن أنه قال: ابن مخاض أو ابن لبون، وربما أنه جُبلت النفوس عليه من حب المال والرغبة في ادخاره وإيثار نفسه وبذل الدّون منه فيسمع نفسه ما يُحصِّل له غرضها لأن الأنثى من الإبل والغنم والبقر والخيل عندهم أعز من الذكر، لما فيها من منافع اللبن والنِتاج، فصرح الشارع -صلوات الله عليه وسلامه- بذكر الأنثى لتقرع أسماعهم، وتثبت في نفوسهم ويعلموا أنها الواجبة عليهم، فإذا سمعوها لم يبق للتأويل وجه ولا للخلاف مجال، وتسمح بها حينئذ نفوسهم ويزول اللبس المظنون، وينتهي هذا الوهم المتوقع وتتقرر الأنوثة في فريضة الصدقة، ولا يبقى لقائل أن يقول خلاف ما قاله الشارع، فإن اختلاف السامعين لا يؤمن وهو جَارٍ في العرف، وكذلك قوله: "ابن لبون ذكر" لما كان في جملة الفرائض بنت لبون، وجاء البدل والتسامح عند عدم الأنوثة بالذِّكْر جاء بالوصف الذي يبين، وإنما

الصفحة 21