كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

عدل عن المعدوم إلى هذا النوع، لذلك الوصف الذي عدل من أجله إليه وهي الذكورة، ألا ترى أن بنت المخاض هي التي في السنة الثانية؟ وابن اللبون هو الذي في السنة الثانية؟ وابن اللبون هو الذي في السنة الثانية؟ فأقام الثلاثي مقام الثنائي، لأن وصف الأنوثة أنفع من وصف الذكورة في هذا المقام، ولم يجعل بنت عوض بنت المخاض ابن المخاض وإن كان في سنها لعدم فضيلة الأنوثة، ولأنه قال: "بنت مخاض أنثى" أراد أن يطابق لفظ البدل لفظ المبدل منه على طريقة الموازنة، فقال: "ابن لبون ذكر" وهذا الذي أشرنا إليه يندرج الوجه الثاني الذي أشار إليه من تنبيه رب المال بفضيلة الأنوثة، وتنبيه الساعي بجواز أخذ الذكور. والله أعلم.
والتباين: الاختلاف، ومعنى قوله: "وإن تباينت أسنان الإبل في فريضة الصدقة" يريد: إذا وجب على إنسان في ماله صدقة واختلفت أسنان إبله، فلم يكن عنده شيء من جنس ما وجب عليه، فإنه يعدل في الواجب فيه إلى ما عنده منه موجود، ولا يخلو أن يكون الموجود عنده خيرًا مما يجب عليه أو دونه، وحينئذ يجب فيه الجبُران إما من رب المال أو الساعي، وهذا هو معنى قوله: "ومن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه، ويعطى رب المال مكان التفاوت بن الحقة والجذعة شاتين؛ إن استيسرتا له أي: سهلتا لحوله كفتاه ووجدتا له، أو عشرين درهما، كأنه قَوّم النقص بين السنين بشاتين، وقوَّم الشاتين بعشرين درهما, وليست الدراهم بدلاً عن الشاتين ولكنهما مثلهما لأنه خيره بينهما، وذلك لأن الجذعة فريضة إحدى وستين إلى خمسة وسبعين، والحقة فريضة خمسة وأربعين إلى ستين، وبين أول الفريضتين خمسة عشر ذلك بينهما في أخذهما خمسة عشر، فكأن الشاتين أو العشرين درهمًا، وإن كانت قيمة التفاوت بين الجذعة والحقة هي فريضة الخمسة عشر، وليس لها قياس مطرد في القيمة، فإن فريضة الخمس من الإبل شاة، ولو كان القياس فيها مطرد لكانت فريضتها ثلاث شياه عند التفاوت، وإنما هي فريضتها

الصفحة 22