كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

عند الانفراد وإنما هذا أمرٌ مرجعه إلى الشارع -صلوات الله عليه وسلامه- وهو المطّلع على الحكمة فيه، ألا تراه جعل في خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ستٍ وثلاثين بنت لبون، فكان التفاوت بين المالين عشرة وبن الفريضتين سنة، وكذلك فعل في بنت اللبون والحقة، كان التفاوت بين المالين خمسة عشر وبين الفريضتين سنة، وهذا اختلاف لا مناسبة -في الظاهر- فيه، وإنما المناسبة فيه والحكمة موكولة إلى معرفة الشارع -صلوات الله عليه وسلامه-، وكذا نراه في باقي فرائض الصدقة في البقر والغنم أيضاً غير مطردة في المناسبة الظاهرة، ولله تعالى سر في أحكامه وفرائضه وسننه وتقييداته؛ لا يحيط العالمون بشيء من علمه إلا بما شاء.
والمصَدّق -بتخفيف الصاد وتشديد الدال-: هو الساعي على الصدقة والعامل عليها الذي يقضيها من أربابها، تقول: صدقه يصدقه إذا أخذ صدقته الواجبة عليه في ماله.
والذي جاء في رواية الشافعي؛ في سائر أسنان إبل الصدقة في أمرين: الجذعة والحقة؛ واكتفى بذكرهما عن ذكر غيرهما من باقي أنواع التباين، وقد ذكر ذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي في روايتهم، والأمر فيما ذكروه مثل ما ذكر الشافعي ولا فرق.
وهذا نوع من أنواع أصول الحديث، فإن الأئمة قد اختلفوا في رواية بعض الحديث دون البعض، وقد استقصينا ذلك في مقدمة كتابنا "جامع الأصول"، ومقدمة هذا الكتاب، ولنُشِرْ منه هاهنا إلى طرف، فنقول: هذا مبناه على رواية الحديث بالمعنى وهو مختلف فيه أيضاً، والأكثرون على جوازه فَمَنْ جوزه أجاز رواية بعض الحديث، إذا كان قد رواه مرة تامًّا في حال ما، وكان البعض المتروك غير مخل في المذكور بما يحتاج إليه، فأما إن كان محتاجا، أو لم يكن قد رُوي تامًا مرة فلا يجوز ذلك، وأما من منع من رواية الحديث بالمعنى فمنع أكثر القائلين به خوفًا من غفلةٍ عن أمر ما عساه يتعلق بالمتروك، العمل على

الصفحة 23