كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

والوفاء: التمام، ومنه: وفىَّ دينه وأوفاه، أي: أعطاه تامًا وافيًا.
وفي هذا الحديث: بيان أن ليس للساعي أن يختار على الناس أموالهم، وإنما له عليهم أن يعطوه ما يريدون من أموالهم، إذا كان ما يعطونه جائزًا في الصدقة طلبًا للرفق بهم.
وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان، عن القاسم بن محمد، عن عائشة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: "مُرَّ [على] (¬1) عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة، فرأى فيها شاة حافلًا ذات ضرع، فقال عمر: ما هذه الشاة؟ فقالوا: شاة من الصدقة، فقال عمر: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حَزَرات المسلمين، نكبوا عن الطعام".
هذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ بالإسناد واللفظ (¬2)، وقال: ذات ضرع عظيم.
والحافل: هي الشاة التي قد امتلأ ضرعها لبنًا، هكذا فقال: بغير هاء.
وقوله: "ذات ضرع" يريد ضرعًا ظاهرًا ممتلئًا لبنًا يراه كل من نظر إليه، ولم يرد به ثبوت مجرد الضرع لها، فإن ذلك لها سواء كانت حافلًا أو غير حافل، ويدل على ذلك رواية مالك: "ذات ضرع عظيها" فوصفه بالعظم لحفوله وامتلائه.
قوله: "لا تفتنوا الناس" أي لا توقعوهم في الفتنة وهي البلاء، وذلك أن الساعي إذا كلف رب المال خير ماله وأجوده؛ أوقعه في الكراهة بإخراج الزكاة والتبرم بها، وأوقعه بذلك في الإثم، وربما دعاه إلى ما هو أكثر من الإثم.
والحزرات -بفتح الحاء المهملة، وفتح الزاي، وبعدها راء-: جمع حزرة
¬__________
(¬1) سقط من الأصل والمثبت من مطوعة المسند و"الموطأ".
(¬2) "الموطأ" (1/ 225) رقم (28).

الصفحة 54