كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

قوله: "أخذ من لحيته وشاربه" يريد أنه كان يقتصر من لحيته ومن شاربه، فإنه كان يحلق شعر رأسه ويقصر من لحيته وشاربه.
والذي ذهب إليه الشافعي -رضي الله عنه- أن الحلق أفضل من التقصير.
قال: والأحب إليَّ لو أخذ من شعر لحيته وشاربه.
قالوا: أراد الشافعي بهذا إذا لم يكن على رأسه شعر، فإنه يستحب أن يمر الموسى على أرض رأسه، ثم يأخذ من لحيته وشاربه لئلا يخلوا من أخذ الشعر.
لفظ حديث ابن عمر هذا لا يقتضي ذلك، إنما ظاهره أنه كان يجمع بين الحلق وتقصير اللحية والشارب، وهذا ليس بلازم لأن النسك إنما هو في الرأس لا في الوجه، قال الله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (¬1).
وقد أخرج المزني عن الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: "والمقصرين" هذا حديث صحيح أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) وأبو داود (¬4).
إنما خص المحلقين بالدعاء وقدمهم: لأنه كان أكثر من أحرم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ليس معه هدي، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ساق الهدي، ومن كان معه هدى فإنه لا يحلق حتى ينحر هديه، فلما أمر من ليس معه هدى أن يحلق ويحل، وجدوا من ذلك في أنفسهم وأحبوا أن يأذن لهم في المقام على إحرامهم حتى يكملوا الحج، وكانت طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بهم، فلما لم يكن بد من الإحلال كان التقصير في نفوسهم أخف من الحلق فمالوا إلى التقصير، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أخرهم في الدعاء، وقدم عليهم من حلق وبادر إلى الطاعة ثم جمعهم بعد في الدعاء.
¬__________
(¬1) الفتح: [27].
(¬2) البخاري (1727).
(¬3) مسلم (1301) (317).
(¬4) أبو داود (1979).

الصفحة 544