كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

أولى لتصريحه بذكر الأكل.
وهذا الحديث يخالف حديث جابر، لأن حديث جابر يدل على أنه نهاهم عنها نهيًا عامًّا، ثم أمرهم بأكلها وإدخارها فكان أمره ناسخًا لنهيه.
وأما هذا الحديث: فإنه يدل على نهيه سنة واحدة لأجل الدافة لا أنه نهاهم عنها نهيًا مطلقًا، فلا يكون أمره بالنهي والإدخار ناسخًا إنما يكون مفسرًا لما كانوا أظهره نهيًا مطلقًا.
قال الشافعي: الحديث التام المحفوظ أوله وآخره وسبب التحريم والإحلال فيه، حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى من علمه أن يصير إليه.
قال: فالرخصة بعدها لواحد من المعنيين، أظنه إما لاختلاف الحالتين، فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والإدخار والصدقة.
ويحتمل: أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، منسوخًا في كل حال فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء.
قال: ويشبه أن يكون نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، إذا كانت الدافة على معنى الاختيار واحتج بقوله -عز وجل-: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} (¬1).
وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه- عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "إنا لندع ما شاء الله من ضحايانا، ثم نتزود من بقيتها إلى البصرة".
قال: وأحب لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير، لقول الله -عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (1)، ويقول الله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (¬2) قال: والقانع: هو السائل، والمعتر: هو الزائر والمار بلا وقت.
¬__________
(¬1) الحج: 28.
(¬2) الحج: (29).

الصفحة 571