كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

قال وسمعت من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله -تبارك وتعالى-، لما أمر بهذا إبراهيم -عليه السلام- وقف على المقام فصاح صيحة: عباد الله أجيبوا داعي الله، فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من وافاه، يقول: لبيك داعي ربنا لبيك.
قال الله -جل ثناؤه-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬1).
فكان دلالة كتاب الله فينا وفي الأمم على الناس مندبون إلى إتيان البيت الحرام.
قال الله -تعالى-: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (¬2)، وقال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}.
قال: فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالإحرام وروي عن ابن أبي لبيد، عن أبي سلمة قال: لما أهبط الله آدم -عليه السلام- من الجنة [طأطأه، فشكى الوحشة إلى أصوات الملائكة] (¬3)، فقال: يا رب، مالي لا أسمع حس الملائكة؟ قال: "خطيئتك يا آدم، ولكن اذهب فإن لي بيتًا بمكة فأته، فافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي"، فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة، فلقيته الملائكة بالردم، فقالوا: بر حجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
قال الشافعي: ويحكى أن النبين (صلوات الله عليهم أجمعين) كانوا يحجون، فإذا جاءوا الحرم مشوا إعظامًا له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد
¬__________
(¬1) آل عمران: 97.
(¬2) البقرة: 125.
(¬3) من الأم (2/ 141).

الصفحة 583