كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

ولهذا قد جاء في رواية البخاري (¬1) التي أشرنا إليها، أنهم كانوا يتضورون من خرص عبد الله ابن رواحة، حتى أنهم أرادوا أن يعطوه رشوة ليخفف عنهم، فقال لهم عبد الله: والله لقد جئتكم من أحب الناس إليَّ ولأنتم أبغض إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
والذي ذهب إليه الشافعي: أن هذه معاملة صحيحة وهي المساقاة، وعليها العمل عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة والمجتهدين، أن يعطى المالك أجيره بعض ثمرة ملكه في مقابلة عمله.
وقال أبو حنيفة: هي معاملة فاسدة لا تصح. ولم يتابع عليه.
وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين اليهود.
هذا الحديث صحيح أخرجه هكذا مالك (¬2) مرسلًا قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر، فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حُليًا من حلي نسائهم، فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
¬__________
(¬1) كذا عزاه للبخاري وهو وهم فليس عنده من الرواية المشار إليها، والحديث سوف يأتي قريبا من المسند؛ الحديث الآتي.
(¬2) "الموطأ" (2/ 703 - 704) رقم (2).

الصفحة 65