كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

والكنز في اللغة: المال المدفون، فقال: كنز ماله يكنزه إذا دفنه، وهو من قولهم: أكنز الشيء إذا اجتمع وامتلأ فأما في الوضع الشرعي: فقد أطلقه على كل مال لم يؤد زكاته، وفيه مجاز مستعار لسبب جامع بين المستعار والمستعار منه.
قال الشافعي -رضي الله عنه-: الكنز هو الذي لا يؤدَّى زكاتُه مدفونا كان أو غير مدفون.
وقد اعترضه بعض العلماء فقال: هذا خلاف اللغة.
وليس لهذا الاعتراض مجال، لأن الكنز -وإن كان في اللغة كما ذكر- إلا أن الشارع -صلوات الله عليه وسلامه- نقله إلى مال مخصوص وهو الذي لا يؤدى زكاته، ويدل عليه لفظ البخاري والنسائي في هذا الحديث، وأنه سمى المال الذي لا يؤدي زكاته كنزًا وَبَالٌ عليه، ويشهد له قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬1) ما أوعدهم العذاب على دفن المال، وإنما أوعدهم على ترك إنفاقه في سبيل الله، سواء أكان مدفونا أو ظاهرا، كيف ودفن المال مباح جائز لا لوم على فاعله، وقد سمى الله المال الذي لا يُنفق في سبيل الله كنزًا، وإنما عنى بالنفقة في سبيل الله ما أوجب عليه في ماله وهو الزكاة، ويشهد لهذا التأويل حديث أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني ألبس أوضاحًا من ذهب أفكنز هي؟ قال: "ما بلغ أن تؤدَى زكاته فزُكِّى فليس بكنز" (¬2).
ووجه المناسبة بن المستعار والمستعار منه: أن المال كما أنه قد وفره وسماه من النقص والتلف، ومنع الأيدي أن تسأله أو ينفقه في مهامه، كمانع الزكاة قد فعل مثله وشابهه بتوفر الزكاة على أصل المال، وامتنع من إنفاقها وإخراجها إلى أربابها ومستحقيها.
¬__________
(¬1) التوبة: [34].
(¬2) أخرجه أبو داود (1564).

الصفحة 9