كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 4)

فقوله: "ليس بك على أهلك هوان" من الكلام الذي يقدم من القائل بين كلامه؛ توطئة لما يريد أن يقوله، وتأنيسًا للمخاطب، وتمهيدًا لعذره عما يريد أن يبديه إليه، وهذا النوع في الخطاب كثير، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لنا مثل السوء كذا وكذا, ولغيرنا مثل السوء كذا وكذا" وكقوله: "نحن الآخرون السابقون. كيت وكيت" وكقول الناس في محاوراتهم لمن يخاطبونهم: أنت تعرف محلك من قلبي، ومنزلتك عندي، وكرامتك علي، وأشباه ذلك، فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يعلم أم سلمة حكم السنة في القسم بين النساء والمقام عندهن، وخاف أنه إذا أقام عندها ثلاثًا وانتقل عنها ربما ظنت أن ذلك لسبب أوجب انتقاله من ملل أو إيثار غيرها عليها، أو ميل إلى سواها، فقدم هذا اللفظ بين يدي قوله؛ ليعلمها أن حكم العدل بين النساء يقتضي له أن ينتقل عنها إذا وفَّاها حقها، وأن ذلك ليس لهوان بها، أو ملل منها وميل إلى غيرها، فما ألطف خطابه وأحسن آدابه - صلى الله عليه وسلم -.
قوله: "سبعت" أي أقمت عندك سبعًا، وكذلك "ثلثت" تقول: سبعت الشيء تسبيعًا إذا جعلته سبعة، وثلثته إذا جعلته ثلاثة، وكذلك إلى العشرة.
و"الغرائب" جمع غريبة وهذا الجمع [مخصص] (¬1) بالمؤنث نحو طريفة وطرائف، ولا يقال: صديق وصدائق، ولا شديد وشدائد.
فأما قولهم في المذكر: خليفة وخلائف؛ فلأجل دخول تاء التأنيث في الاسم.
وإنما أنكر أهل المدينة أم سلمة لأنها من المهاجرات الأُول، وذلك أن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، ومنع بنو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم أم سلمة أن تهاجر مع زوجها، فأقامت مكرهة على ذلك قريبًا من سنة، ثم أذنوا لها في اللحاق بزوجها، فتوجهت إليه مهاجرة، فوصلت المدينة وكان أبو سلمة
¬__________
(¬1) في "الأصل": مخفض، وهو تحريف.

الصفحة 420