كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 4)

أنه بمعنى التخصيص والله أعلم.
قال: ويشبه أن يكون هذا من الأمر بالمعروف الذي أمر الله به في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1) وذلك لأن البكر لما فيها من الحنوِّ والحياء تحتاج إلى فضل إمهال وصبر، وحسن عشرة ورفق؛ ليتوصل الزوج إلى الإرب منها.
والثيب قد جربت الأزواج وخبرت الرجال وارتاضت بصحبتهم؛ فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل، إلا أنها تخص بثلاث؛ تكرمة لها وتأنيسًا للألف فيما بينه وبينها، والله أعلم.
والذي ذهب إليه الشافعي -رضي الله عنه-: أن الرجل إذا كان تحته امرأتان مثلاً ثم تزوج أخرى، فإنه يقطع الدور الذي كان للاثنتين الأولتين ويقيم عند الأخرى إن كانت بكرًا سبعًا، وإن كانت ثيِّبًا ثلاثًا, ولا يقضي للاثنتين الأولتين ما فاتهما، وإن شاءت المستجدة إذا كانت ثيِّبًا أن يقيم عندها سبعًا ويقضي للاثنتين فعل، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والشعبي والنخعي، وقال أبو حنيفة: يقضي لها بكل حال.
قال الشافعي -رضي الله عنه- في حكاية قول من خالفه في هذه المسألة: أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت"؟ قلت: نعم. قال: فلم يعطها في السبع شيئًا إلا أعلمها أنه يعطي غيرها مثله.
قال: فقلت له: إنها كانت ثيِّبًا فلم يكن لها إلا ثلاث، فقال لها: إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء وأشرفه عندهن (فعفوت) (¬2) حقك إذ لم
¬__________
(¬1) سورة النساء، آية: (19).
(¬2) العفو ها هنا بمعنى: التكثير، قال أبو عبيد: يقال منه عما الشعر وغيره إذا كثر، قال الله تبارك وتعالى {حَتَّى عَفَوْا} يعني كثروا. انظر غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 147).

الصفحة 423