كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 4)

الاستعمال، وقد جاء ذلك في العربية كثيرًا.
و"عليكما" الثانية متعلقة بقوله: "إن رأيتما أن تجمعًا" كأنه قال: أتدريان ما عليكما. أي: ما الذي يجب عليكما, ما يؤدي إليه اجتهادكما من الجمع والفرقة، والجمع: هو الإصلاح بين الزوجين، والفرقة: هي الطلاق والخلع.
وقوله: "كذبت والله" ليس تكذيبًا لقول الزوج "أما الفرقة فلا" لأن التكذيب إنما يتعلق بالأخبار.
وقوله: "أما الفرقة فلا" ليس خبرًا محضًا إنما هو حكم من الزوج، كأنه قال: الجمع إليكما دون الفرقة، فهو أمر منه للحكمين بما فوض إليهما, ولكنه لما قال ذلك، قال له علي: "كذبت والله" أي: أخطأت الصواب، وقلت ما لا يجوز لك قوله، ومن عادة العرب بأن تضع الكذب موضع الخطأ، فتقول: كذب سمعي وبصري. أي أخطأ.
قال الشافعي: الله أعلم بمعنى ما أراد من الآية؛ فأما ظاهرها فإن خوف الشقاق بين الزوجين: أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق، ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به، ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك الشقاق.
وتفصيل المذهب: أن الشقاق وإن كان من الزوجة فهو نشوز، وقد ذكرنا حكمه، وإن كان من الزوج فإن الحاكم يضع من يمنعه عن الإضرار بها، فإن كان منهما وضع الحاكم أيضًا من يسعى في إزالة ما بينهما، فإن لم يحصل من ذلك غرض وادعى كل واحد منهما أنه مظلوم من صاحبه؛ بعث الحاكم حكمين من أهله وأهلها، وأمرهما أن يفعلان معهما ما هو الأصلح لهما، وهل هما حاكمان مستقلان أو وكيلان لهما؟ فيه قولان:
أحدهما: أنهما وكيلان. وقد نص عليه الشافعي في أكثر كتبه، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وحكي عن عطاء والحسن.

الصفحة 452