كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 4)

صدقهم وسلامتهم لم يكن ظهر فيهم الخب والخداع، وكانوا يُصَدَّقون أنهم أرادوا به التوكيد ولم يريدوا التكرار، فلما رأى عمر في زمانه أمورًا ظهرت وأحوالًا تغيرت؛ منع من حمل اللفظ على التوكيد وألزمهم الثلاث.
وقال قوم: إنما هذا الحكم حكم خاص في غير المدخول بها، وإليه ذهب سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعطاء وعمرو بن دينار قالوا: من طلق البكر ثلاثًا فهي واحدة.
وعامة أهل العلم على خلافه، وقال ربيعة وابن أبي ليلى والأوزاعي ومالك فيمن تابع بين كلامه فقال لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق: لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، إلا أن مالكًا قال: إذا لم تكن له نية.
وقال الشافعي وأصحاب الرأي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق: تَبين بالأولى ولا حكم لما بعدها.
وقال الشافعي: فإن [كان] (¬1) معنى قول ابن عباس: "أن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة" يعني أنه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالذي يشبه -والله أعلم- أن يكون ابن عباس قد علم أن كان شيئًا [فنسخ] (¬2) فإن قيل: فما دل على ما وصفت؟ قيل: لا يشبه أن يكون ابن عباس يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ثم يخالفه بشيء لم يعلمه كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلافه.
فإن قيل: فلعل هذا بشيء روي عن عمر فقال فيه ابن عباس بقول عمر.
قيل: قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة، وبيع الدينار بالدينار، وفي بيع أمهات الأولاد وغيره، فكيف يوافقه في شيء يروي عن النبي
¬__________
(¬1) تكررت "بالأصل".
(¬2) في "الأصل": فسخ، والمثبت من "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 338)، و"المعرفة" (5/ 464).

الصفحة 489